قوله تعالى :﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة... ﴾ والمقصود بها وصف يوم القيامة، ويوم الآزفة يجوز أن يكون مفعولاً به اتساعاً، وأن يكون ظرفاً، والمفعول محذوف، والآزفة فاعلة من أَزِفَ الأمْرُ إذا دنا وحضر، كقوله في صفة القيامة ﴿ أَزِفَتِ الآزفة ﴾ [ النجم : ٥٧ ]. أي قربت، قال النابغة الشاعر ( رحمة الله عليه ) :
٤٣٢٥ أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنا | لَمَّا تَزَلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ |
٤٣٢٦ بانَ الشَّبَابُ وهذا الشَّيْبُ قَدْ أَزِفَا | وَلاَ أَرَى لِشَبَابٍ بَائِنٍ خَلَفَا |
فصل
المقصود من الآية التنبيه على أن يوم القيامة قريب، ونظيره قوله تعالى :﴿ اقتربت الساعة ﴾ [ القمر : ١ ] قال الزجاج : إنما قيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها وما هو كائنٌ فهو قريب.
واعلم أن الآزفة نعت لمحذوف مؤنث فقيل : يوم القيامة الآزفة، أو يوم المجازاة الآزفة، قال القفال : وأسماء القيامة تجري على التأنيث كالطامة والحاقة ونحوها، كأنها يرجع معناها على الداهية.
وقيل : المراد بيوم الآزفة مُشَارَفَتُهُمْ دخول النار، فإن عند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارِّها من شدة الخوف، وقال أبو مسلم : يوم الآزفة يوم حضور الأجل لأنه تعالى وصف يوم القيامة بأنه يوم التلاق ويوم هم بارزون، ثم قال بعنده :﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة ﴾ فوجب أن يكن ذلك اليوم غير ذلك اليوم وأيضاً فهذه الصفة مخصوصة في سائر الآيات بيوم الموت قال تعالى :﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم ﴾ [ الواقعة : ٨٣ ]، وقال ﴿ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقي ﴾ [ القيامة : ٢٦ ] وأيضاً فوصف يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب، وأيضاً فالصفات المذكمورة بعد قوله :« يوم الآزفة » لائقة بيوم حضور المنية؛ لأن الرجل عند معاينة ملائكة العذاب يَعْظُمُ خَوْفُهُ، فكأنّ قلوبهم تبلغ حناجرهم من شدة الخوف وبَقُوا كَاظِمِينَ ساكتين عن ذكر ما في قلوبهم من شدة الخوف، و لايكون لهم من حميم ولا شفيع يطاع ويدفع ما به من أنواع الخوف والقلق.
قوله :« كَاظِمينَ » نَصْبٌ على الحال، واختلفوا في صاحبها والعامل فيها، فقال « كاظمين » وهو أن يكون لما أسند إليهم ما يسند للعقلاء جمعت جمعه كقوله :﴿ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [ يوسف : ٤ ] و ﴿ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ [ الشعراء : ٤ ] ويُعَضِّدُهُ قراءة من قرأ :« كَاظِمُونَ ».
الثاني : أنها حال من « القلوب » وفيه السؤال والجواب المتقدمانِ، والمعنى أن القلوب كاظمة عن كَرْبٍ وغَمٍّ مع بلوغها الحناجر.