والثالث : أنه حال من أصحاب القلوب قال الزمخشري : هو حال من أصحاب القلوب على المعنى؛ إذ المعنى إذ قلوبهم لدى الحناجر كاظمينَ عليها. اقل شهابُ الدين : فكأنه في قوة أن جعل « أل » عوضاً من الضمير في حناجرهم.
الرابع : أن يكون حالاص من « هم » في « انذرهم » ويكون حالاً مقدرة لأنهم وقت الإنذار غير كاظمين، وقال ابن عطية : كاظمين حال مما أبدل منه « إذ القُلُوب » أو مما يضاف إليه القلوب؛ إذ المراد إذ قُلُوب الناس لدى حناجرهم، وهذا كقوله ﴿ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار مُهْطِعِينَ ﴾ [ إبراهيم : ٤٢، ٤٣ ] أراد تشخيص فيه أباصرهم قال شهاب الدين : ظاهر قوله أنه حال مما أبدل منه قوله :« إذ القلوب » مشكل؛ لأنه أبدل من قوله :« يَوْم الآزفة » وهذا لا يصح البتَّة، وإنما يريد على الوجه الثاني وهو أن يكون بدلاً من « هُمْ » في أَنْذِرْهُمْ بدل اشتمال وحينئذ يصح، وقد تقدم الكلام على الكظم والحناجر في آل عمران والأحزاب.

فصل


قيل : المراد بقوله ﴿ إِذِ القلوب لَدَى الحناجر كَاظِمِينَ ﴾ شدة الخوف والفزع ونظيره قوله ﴿ وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر ﴾ [ الأحزاب : ١٠ ] وقال :﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ﴾ [ الواقعة : ٨٣ و٨٤ ]. وقال الحسن : القلوب تنتزع من الصدور لشدة الخوف وبلغت القلوب الحناجر فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواقعها فيتنفّسوا ويَتَرَّوَحُوا، وقوله :( كاظمين ) أي مكروبين، والكاظم الساكت حال امتلائه غماً وغيضاً و المعنى أنهم لا يمكنهم أن ينطقوا وأن يشرحوا ما عندهم من الخوف والحزن وذلك يوجب مزيد القلق والاضطراب.
قوله :﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ ﴾ قريب ينفعهم ﴿ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ فيشفع لهم. وقوله « يُطَاعُ » يجوز أن يحكم على موضعه بالجر نعتاً على اللفظ، وبالرَّفع نعتاً على المحل لأنه معطوف على المجرور بمن المزيدة، وقوله ﴿ ولا شفيع يطاع ﴾ من باب :
٤٣٢٧ عَلَى لاَ حِبٍ لا يُهْتَدَى بمَنَارِهِ ..............................
أي لا شفيع فلا طاعة، أو ثم شفيع ولكن لا يطاع.

فصل


احتجت المتعزلة بهذه الآية في نفي الشفاعة عن المذنبين فقالوا نفى حصول شفيع لهم يطاع فوجب أن لا يحصل لهم هذا الشفيع وأجيبوا بوجوه :
الأول : أنه تعالى نفى أن يحصل لهم شفيع يطاع وهذا لا يدل على نفي الشفيع، كقولك : ما عندي كتاب يباع فيقتضي نفي كتاب يباع ولا يقتضي نفي الكتاب، قال الشاعر :
٤٣٢٨......................... وَلاَ تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرْ
أو لفظ الطاعة بمعنى حصول المرتبة فهذا يدل على أنه ليس لهم يوم القيامة شفيع يطيعه الله، لأن ليس في الوجود أحد أعلى حالاً من الله سبحانه وتعالى حتى يقال : إن الله تعالى يطيعه.
والثاني : أن المراد بالظالمين ههنا : الكفار، لأن هذه الآية وردت في زجر الكفار وقال تعالى :


الصفحة التالية
Icon