﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ].
الثالث : أن لفظ الظالمين إما أن يفيد الاستغراق أو لا يفيد الاستغراق فإن كان المراد من الظالمين مجموعهم فيدخل في هذا المجموع هم الكفار وليس لهم شفيعٌ فحنيئذ لا يكون لهذا المجموع شفيع، وإن لم يفد الاستغراقَ كان المراد من الظالمين بعضَ الموصوفين بهذه الصفة وعندنا أن بعض الموصوفين بهذه الصفة ليس لهم شفيعٌ وهم الكفار.
وأجاب ( بعض ] المعتزلة عن الأول فقالوا : يجب حمل كلام الله تعالى على محملٍ مفيد وكل أحد يعلم أنه ليس في الوجود شيء يطيعه الله لأن المطيع أدون حالاً من المطاع وليس في الوجود أعلى درجة من الله حتى يقال : إن الله يطيعه، وإذا كان هذا المعنى معلوماً بالضرورة كان حمل الآية عليه إخراجاً لها عن الفائدة، فوجب حمل الطاعة على الإجابة ويدل على أن لفظ الطاعة بمعنى الإجابة قولُ الشاعر :
٤٣٢٩ رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظاً صَدْرَهُ | قَدْ تَمَنَّى لِيَ موتاً لَمْ يُطَعْ |
وأجيبوا عن الأول بأن القوم كانوا يقولون في الأصنام : إنها شفعاؤهم عند الله، وكانوا يقولون : إنها تشفع لهم عند الله من غير حاجة إلى إذن فلهذا السبب رد ا لله تعالى عليهم ذلك بقوله :﴿ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] فهذا يدل على أن القوم اعتقدوا أنه يجب على الله تعالى إجابة تلك الأصنام في الشفاعة وهذا نوع طاعة فالله تعالى نفى تلك الطاعة بقوله :﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾. وعن الثاني بأن قالوا : الأصل في حرف التعريف أن ينصرف إلى المعهود السابق فإذا دخل حرف التعريف على صيغة الجمع وكان هناك معهود سابق انصرف إليه، وقد حصل في هذه الآية معهود سابق وهم الكفار الذين يجادلون في آيات الله فوجب أن ينصرف إليهم. وعن الثالث بأن قالوا قوله :﴿ ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ﴾ يحتمل عموم السلب، ويحتمل سلب العموم، أما الأول : فعلى تقدير أن يكون المعنى أنّ كل واحد من الظالمين محكوم عليه بأنه ليس له حميم، ولا شفيع. وأما الثاني : فعلى تقدير أن يكون مجموع الظالمين ليس لهم حميم ولا شفيع، ولا يلزم من نفي الحكم عن المجموع نفيه عن كل واحد من آحاد ذلك المجموع، ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾