الثاني : أن قوله « رَبِّي اللهُ » إشار إلى التوحيد.
وقوله :﴿ وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ ﴾ إشارة إلى الدلائل الدالة على التوحيد، ثم ذكر ذلك المؤمن حجة ثانية على أن الإقدام على قتلِهِ غير جائز، وهي حجة مذكورة على طريق التقسيم فقال : إن كان هذا الرجل كاذباً كان وبال كذبه عائداً عليه فاتركوه وإن كان صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم فعلى كلا التقديرين الأولى إبقاؤه حيًّا.
فإن قيل : الإشكال على هذا الدليل من وجهين :
الأول : أن قوله ﴿ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ﴾ معناه أن ( ضرر ) كذبه مقصور عليه ولا يتعداه، وهذا كلام فاسد لوجوه :
أولها : أنا لا نسلم أن بتقدير كونه كاذباً يكون ضرر كذبه مقصوراً عليه لأنه يدعو الناس إلى ذلك الدين الباطل ويغتر به جماعة ويقعون في المذهب الباطل والاعتقاد السيّىء ثم يقع بينهم وبين غيرهم الخصوماتُ الكثيرة فثبت أن بتقدير كونه كاذباً لم يكن ضرر كذبه مقصوراً عليه بل يكون متعدياً إلى الكل، ولهذا أجمع العلماء علىأن الزِّنْدِيقَ الذي يدعو الناس إلى زَنْدَقَتِهِ يجب قتله.
وثانيها : أنه إن كان هذا الكلام حجة فلا كذاب إلا ويمكنه أن يتمسك بهذه الطريقة فيمكن جميع الزنادقة والمُبْطِلَة من أديانهم الباطلة.
وثالثها : أن الكفار الذين انكروا موسى ﷺ يجب أن لا يجوز الإنكار عليهم لأنه يقال إن كان ذلك المنكر كاذباً في ذلك الإنكار فعليه كذبه وإن يك صادقاً فما انتفعتم بصدقه، فثبت أن هذه الطريق صَوَّبَتْ صدقه وما أفضى ثُبُوتُه إلى عدم صدقه كان فاسداً.
الوجه الثاني : كان من الواجب أن يقال : وإنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ كُلُّ الَّذِي يَعِدُكُمْ؛ لأن الذي يصيب من بعض الذي يَعِدُ دون البعض هو الكفار والمنجمون. أما الرسول الصادق الذي لا يتكلم إلا بالوحي فإنه يجب أن يكون صادقاً في كل ما يقول فكان قوله :﴿ يصيبكم بعض الذي يعدكم ﴾ غير لائق بهذا المقام.
والجواب عن الأسئلة الثلاثة بأن تقدير الكلام ( أنه ) لا حاجة لكم في دفع شره إلى قتله بل يكفيكم أن تمنعوه من إظهار هذه المقالة ثم تتركوا قتله فإن كان كاذباً فحينئذ لا يعود ضرره إلا إليه وإن كان صادقاً فما انتفعتم به.