ولا بدّ من حذف مضاف يريد م ثل جزاء دأبهم. والحاصل أنه خوفهم الهلاك في الدنيا ثم خوفهم هلاك الآخرة ﴿ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ ﴾ أي لا يُهْلِكُهُمْ قبل إقامة الحجة عليهم، والمقصود التنبيه على عذاب الآخرة يعنى أن تدمير أولئك الأحزاب كان عدلاً بأنهم استوجبوه بتكذيبهم الأنبياء، وتلك العلة قائمة هنا فوجب حصول الحكم هنا.
قالت المعتزلة : وما الله يريد ظلماً للعباد يدل على أنه لا يريد أن يظلم العباد، ولا يريد الظلم من أحد العباد التبة، ولو خلق الكفر فيهم ثم عذبهم على ذلك الكفر لكان ظالماً، وإذا ثبت أنه لا يريد الظلم ألبتة ثبت أنه غير خالق لأفعال العباد، لأنه لو خلقها لأرادها، وثبت أيضاً أنه قادر على الظلم إذ لو لم يقدر عليه لما حصل التمدح بترك الظلم، وهذا الاستدلا ل قد تقدم مراراً مع الجواب.
قوله ( تعالى ) :﴿ وياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد ﴾ التناد تفاعل من النداء يقال : تنادى القوم أي نادى بعضهم بعضاً، والأصل : الياء، وقد تقدم الخلاف في يائه كيف تحذف والأصل تَنَادُياً بضم الدال ولكنهم كسروها؛ لِتَصحذَ الياءُ. وقرأت طائفة بسكون الدال إجراء للوصل مجرى الوقف، وتنادى القوم أي نادى بعضهُم بَعْضاً، قال ( الشَّاعِرُ رَحِمَهُ الله ) :

٤٣٣٧ تَنَادَوْا فَقَالُوا أَرْدَتِ الخَيْلُ فَارِساً فَقُلْنَا عُبَيْدَ اللهِ ذَلِكُمُ الرَّدِي
وقال آخر :
٤٣٣٨ تَنَادَوْا بَالرَّحِيلِ غَداً وَفِي تَرْحَالِهِمْ نَفْسِ
وقرأ ابن عباس والضحاك والكلبي وأبو صالح وابن مقسم والزعفراني في آخرين بتشديدها مصدر تَنَادَّ من : نَدَّ البَعِيرُ إذَا هَرَبَ ونَفَرَ، وهو في معنى قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ ﴾ [ عبس : ٣٤ ] الآيات ويدل على صحة هذه القراءة قوله تعالى بعد ذلك :﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ﴾. قال أبو علي : التَّنادي مخففاً من التناد من قولهم نَدَّ فلانٌ إذا هرب. وفي الحديث :« جَوْلَةً يَنِدُّونَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ مَهْرَباً » وقال أميةُ بنُ أبي الصَّلْتِ :
٤٣٣٩ وَبَثَّ الخَلْقَ فِيهَا إذْ دَحَاهَا فَهُمْ سُكَّانُهَا حَتَّى التَّنَادِي
قوله :« يَوْمَ تُوَلُّونَ » يجوز أن يكون بدلاً من « يوم التناد » وأن يكون منصوباً بإضمار « أعني ». ولا يجوز أن يكون عطف بيان، لأنه نكرة وما قبله معرفة، وقد تقدم في قوله ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] أن الزمخشري جعله بياناً مع تخالفهما تعريفاً وتنكيراً وهو عكس هذا، فإن الذي نحن فيه الثاني نكرة، والأول معرفة.
قوله ﴿ مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ ﴾ يجوز في « من عاصم » أن يكون فاعلا بالجار، لاعتماده على النفي، وأن يكون مبتدأ أو من مزيدة على كلا التقديرين، ومن الله متعلق بعَاصِمٍ.

فصل


أجمع المفسرون على أن يوم التنادي ( هو ) يوم القيامة وفي تسميته بهذا الاسم وجوه :
قيل : لأن أهل النار ينادون أصحابَ الجنة، وأصحاب الجنة ينادون أصحابَ النار كما حكى الله عنهم.


الصفحة التالية
Icon