وقال الزجاج : هو قوله تعالى :﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ [ الإسراء : ٧١ ].
وقيل : ينادي بعضُ الظالمينَ بعضاً بالويْل والثُّبُور، فيقولون : يَا وَيْلَنَا. وقيل : يُنَادَوْنَ إلى المحشر وقيل ينادي المؤمن : هَاؤُم اقْرَأُوا كِتَابِيَهْ، والكافر : يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ، وقيل : ينادى باللَّعَنةِ على الظالمين، وقيل : يجاء بالموت على صورة كبش أملح ثم يذبح بين الجنة والنار، ثم ينادى يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت، وقيل : ينادى بالسعادة والشقاوة ألا إنَّ فلان بان فلان سِعِدَ سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وفلان بان فلان شقي شقاوة فلا يسعد بعدها أبداً.
وقوله :﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ﴾. قال الضحاك : إذا سمعوا زفيرَ النار نَدُّوا هرباً فلا يأتون قطراً من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفاً فيرجعون إلى مكانهم فذلك قوله :﴿ والملك على أَرْجَآئِهَآ ﴾ [ الحاقة : ١٧ ] وقوله :﴿ يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا ﴾ [ الرحمن : ٣٣ ]. قال مجاهد رضي الله عنه : فارِّينَ عن النار غير معجزين، ثم أكد التهديد فقال :﴿ مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ ﴾ يعصمكم من عذابه، ثم نبه على قوة ضلالتهم وشدة جهالتهم فقال ﴿ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾.
قَوْلُهُ ( تَعَالَى ) :﴿ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات ﴾ يعني يوسف بن يعقوب من قبل موسى بالبينات، ونقل الزمخشري أنه قبل يوسف بن إبراهيمخ بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نيفاً وعشرين سنة وقيل : إن فرعون موسى هو فرعون يوسف بَقِيَ حيًّا إلى زمانه، وقيل : هو فرعون آخر. والمقصود من الكل شيء واحد هو أن يوسف حاء قومه بالبينات هي قوله تعالى :﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار ﴾ [ يوسف : ٣٩ ] والأولى أن يُراد بها المعجزات.
واعلم أن مؤمن آل فرعنونه لما قال لهم : ومن يضلل الله فما له من هاد ذكر هذا المثال وهو أن يوسف جاءهم بالبينات الباهرة فأصروا على التكذيب ولم ينتفعوا بتلك الدلائل، وهذا يدل على ( أن ) من أضله الله فما له من هاد، ثم قال :﴿ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ ﴾ قال ابن عباس ( رضي الله عنه ) : من عبادة الله وحده لا شريك له، فلم ينتفعوا ألبتة بتلك البينات.
قوله « حَتَّى إذَا » غاية لقوله ﴿ فما زلتم في شك ﴾، فَلَمَا هَلَك ﴿ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً ﴾ أي أقمتم على كفركم، وظننتم أن الله تعالى لا يجدد عليكم الحجة، وقرىء ألن يبعث الله بإدخال همزة التقرير يقرّر بعضهم بعضاً.
قوله :« كَذَلِكَ » أي الأمر كذلك، أو مثل هذا الضلال يضل الله كل مسرف كذاب في عصيانه مرتاب في دينه، فقوله « يضل الله » مستأنف، أو نعت مصدر أي مثل إضلال الله إياكم حين لم تقبلوا من يوسف يضل الله من هو مسرف.