ثم بين تعالى ما لأجله بقُوا في ذلك الشك والإسراف فقال :﴿ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ﴾ أي بغير حجة إما بناء على التقليد، وأما بناء على شبهات خسيسة.
قوله :« الَّذِينَ يُجَادِلُونَ » يجوز فيه عشرة أوجه :
أحدها : أنه بدل من قوله « من هو مسرف » وإنما جمع اعتباراً بمعنى « من ».
الثاني : أن يكون بياناً له.
الثالث : أن يكون صفة له وإنما جمع على معنى « من » أيضاً.
الرابع : أن ينتصب بإضمار أعني.
الخامس : أن يرتفع خبر مبتدأ مضمر أي هم الذين.
السادس : أن يرتفع مبتدأ خبره « يَطْبَعُ اللهُ »، و « كذلك » خبر مبتدأ مضمر أيضاً أي الأمر كذلك، والعائد من الجملة وهي يطبع على المبتدأ محذوف أي على كل متكبر منهم.
السابع : أن يكون مبتدأ، والخبر « كَبُرَ مَقْتاً » ولكن لا بُدّ من حذف مضاف ليعود الضمير من « كبر » عليه والتقدير : قال الذين يجادلون كَبُرَ مقتاً، ويكون « مَقْتاً » تمييزاً، وهو منقول من الفاعلية؛ إذ التقدير كبر مَقْتُ حالهم أي جادل المجادلين.
الثامن : أن يكون « الَّذِينَ » مبتدأ أيضاً، ولكن لا يقدر حذف مضاف، ويكون فاعل كبر ضميراً عائداً على ما تقدم أي كبر مقت جدالهم.
التاسع : أن يكون « الذين » مبتدأ أيضاً، والخبر ﴿ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ﴾ قاله الزمخشري. ورده أبو حيان بأن فيه تفكيك الكلام بضعه من بعض؛ لأن الظاهر تعلق « بغَيْرِ سُلْطَانٍ » « بِيُجَادِلُونَ » ولا يتعلق جعله خبراً « للذين » لأنه جار ومجرور فيصير التقدير : الذي يجادلون كائنونَ أو مستقرونَ بغير سلطان أي في غير سلطان؛ لأن الباء إذْ ذَاكَ ظرفية خبرٌ عن الجثث.
العاشر : أنه مبتدأ وخبره محذوف أي معاندون ونحوه قاله ِأبو البقاء.
قوله :« كَبُرَ مَقْتاً » يحتمل أن يراد به التعجب والاستفهام، وأن يراد به الذم « كبئس » وذلك أنه يجوز أن يبنى ( فَعُلَ ) بضم العين مما يجوز فيه التعجب منه، ويَجْرِي مَجْرَى نِعْمَ وَبِئْسَ في جميع الأحكام، وفي فاعله ستة أوجه :
الأول : أنه ضمير عائد على حال المضاف إلى الذين، كما تقدم تقريره.
الثاني : أنه ضمير يعود على جدالهم المفهوم من « يُجَادِلُونَ » كما تقدم تقريره أيضاً.
الثالث : أنه الكاف في « كَذَلِكَ ». قال الزمخشري : وفاعل « كَبُرَ » قوله : كذلك، أي كَبُرَ مقْتاً مِثْل ذَلِكَ الجِدال، و « يَطْبَعُ اللهُ » كلام مستأنف.