واعلم أن هذه الشبهة فاسدةٌ؛ لأن طرق العلم ثلاثة : الحِسّ، والخَبَر، النَّظَر، ولا يلزم من انتفاء طريق واحد وهو الحِسَّ انتفاء المطلوب؛ وذلك لأن موسى ﷺ كان قد بين لفرعون أن الطريقَ في معرفة الله تعالى إنما هو الحُجَّة، والدليل كما قال :﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين ﴾ [ الشعراء : ٢٦ ] ﴿ رَبُّ المشرق والمغرب ﴾ [ المزمل : ٩ ] إلا أن فرعونَ بِخُبْثِهِ ومَكْرهِ تغافل عن ذلك الدليل، وألقى إلى الجُهّال أنه لما كان لا طريق إلى الإحساس بهذه الإله وجب نفيه.
قوله :« أسْبَابَ السَّمَواتِ »، فيه وجهان :
أحدهما : أنه تابع « للأسباب » قبله، بدلاً أو عطف بيان.
والثاني : أنه منصوب بإضمار أعني. والأول أولى؛ إذ الأصْلُ عدمُ الإضمار.
قوله :« فَأَطَّلِعَ » العامة عنلى رفعه عطفاً على أبلغ فهو داخل في حيز الترجي؛ وقرأ حفص في آخرين بنصبه وفيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنه جواب الأمر في قوله « ابن لي » فنصب بأن مضمرة بعد الفاء في جوابه على قاعدة البصريين كقوله :

٤٣٤٠ يا نَاقُ سِيرِي عَنَقاً فَسِيحا إلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا
وهو أوفق لمذهب البصريين
الثاني : أنه منصوب، قال أبو حيان : عطفاً على التوهم؛ لأن خبر « لعل » جاء مقروناً « بأن » كثيراً في النظم، وقليلاً في النثر، فمن نصب توهم أن الفعل المضارع الواقع خبراً منصوب « بأن » والعطف على التوهم كثير وإن كان لا ينقاس.
الثالث : أن ينتصب على جواب الترجي في لعل، وهو مذهب كوفي استهشد أصحابه بهذه القراءة وبقراءة نافع ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذكرى ﴾ [ عبس : ٣٤ ] بنصب « فتنفعه » جواباً ل « لعله ». وإلى هذا نحا الزمخشري، قال :« تشبيهاً للترجي بالتمني ». والبصريون يأبون ذلك ويخرجون القراءتين على ما تقدم.
وفي سورة عبس يجوز أن يكون جواباً للاستفهام في قوله :« وَمَا يُدْرِيكَ » فإنه مترتبٌ عليه معنًى. وقال ابن عطية وابن جبارة الهذلي على جواب التمني، وفيه نظر؛ إذ ليس في اللفظ تمن، إنما فيه ترجٍّ، وقد فرق الناس بين التَّمنِّي والتَّرجِّي، بأن الترجي لا يكون إلا في الممكن عكس التمني فإنه يكون فيه وفي المستحيل كقوله :
٤٣٤١ لَيْتَ الشَّبابَ هُوَ الرَّجِيعُ عَلَى الفَتَى والشَّيْبُ كَانَ هَوَ البَدِيءَ الأَوَّلُ
قوله :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ ﴾، قرىء :« زَيَّنَ » مبنياً للفاعل، وهو الشيطان، وتقدم الخلاف في « صد عن السبيل » في الرعد، فمن بناه للفاعل حذف المفعول أي صد قومه عن السبيل، ( وهو الإيمان ). قالوا : ومِنْ صَدِّه قوله :﴿ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ﴾ [ طه : ٧١ ]، ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ﴾


الصفحة التالية
Icon