قوله :﴿ النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ أي من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه ووجوب طاعته عليهم وقال ابن عباس ( وقتادة ) وعطاء يعني إذا دعاهم النبي - ﷺ - ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي - ﷺ - أولى بهم من طاعة أنفسهم. وقال ابن زيد. النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى بينهم كما كنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه، وقيل : أولى بهم في الحمل على الجهاد وبَذْلِ النفس دونه، وقيل : كان النبي - ﷺ - يخرج إلى الجهاد فيقول قومٌ : نذهب فنَسْتَأْذِنُ من آبائنا وأمهاتنا. فنزلت ( الآية )، وروى أبو هريرة « أن النبي - ﷺ - قال :» مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ أَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ اقرْءَوا إنْ شِئْتُمْ :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ فَأَيُّمَا مؤمِن مَاتَ وتَرَكَ مالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا وَمَنْ تَرَكَ دُنْيا أو ضياعاً فَلْيأْتني فَأَنَا مَوْلاَهُ « قوله :» وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ « أي مثل أمهاتهم وهو أب لهم وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد لا في النظر إليهن، والخلوة بهن فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب قال الله تعالى :﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ] ولا يقال لبناتهن هن أخوات للمؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم وقال الشافعي : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنه - وهي أخت أم المؤمنين، واختلفوا في أنهن هل كن أمهات النساء المؤمنات، قيل : كن أمهات المؤمنين جميعاً وقيل : كن أمهات المؤمنين دون النساء.
روى الشعبِيُّ عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة يا أمه فقالت : لست لك بأم إنما أنا أمُّ رِجَالِكُمْ فدل هذا على أن معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهن.
فصل
قال ابن الخطيب : هذا تقرير آخر، وذلك لأن زوجة النبي - عليه السلام - ما جعلها الله في حكم الأم إلا لقطع نظر الأمة عما تعلق به غرض النبي - عليه السلام - فإذا تعلق خاطره بامرأة شاركت زوجاته في التعلق فحرمت مثل ما حرمت أزواجه على غيره. فإن قيل : كيف قال : وأزواجه أمهاتهم وقال من قبل :﴿ ما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ﴾ فأشار إلى أن غير من ولدت لا تصير أمّاً بوجه، ولذلك قال في موضع آخر ﴿ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ ﴾ [ المجادلة : ٢ ] ؟.
فالجواب : أن قوله تعالى في الآية المتقدمة :﴿ والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ﴾ جواب عن هذا والمعنى أن الشرع مثل الحقيقة ولهذا يرجع العاقل عند تعذر اعتبار الحقيقة إلى الشريعة كما أن امرأتين ( إذا ) ادَّعَتْ كل واحدة ولداً ( بعينه ( ولم يكن لهما بينة وحلفت إحداهما دون الأخرى حكم لها بالولد فعلم أن عند عدم الوصول إلى الحقيقة يرجع إلى الشرع بل في بعض المواضع ( على المندوب ) تغلبُ الشريعة على الحقيقة فإن الزاني لا يجعل أباً لولدِ الزنا وإن كان ولده في الحقيقة وإذا كان كذلك فالشارع له الحكم فقول القائل : هذه أمي قول ( يفهم ) لا عن حقيقة ولا يترتب عليه حقيقة وأما قول الشارع فهو حق فله أن يتصرف في الحقائق كم يشاء، ألا ترى أن الأم ما صارت أمَّا إلا بخلق الله الولد في رحمها ولو خلقه في جوف غيرها لكانت الأم غيرها فإذا كان الذي يجعل الم الحقيقة أمَّا فله أن يسمى أي امرأة أمَّا ويعطيها حكم الأمومة.