قال القرطبي : أراد بالكتاب القرآن وهو آية المواريث والوصية وقيل : اللوح المحفوظ.
قوله :﴿ وإذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين ميثاقهم ﴾ الآية وجه تعلق هذه الآية بما قبلها هو أن الله تعالى لما أمر النبي عليه السلام بالاتقاء وقال :﴿ يا أيها النبي اتق الله ﴾ وأكده بالحكاية التي خشي ( فيها ) منهم، خفّف عنه لكي لا يخشى أَحداً غيره وبين أنه لم يرتكب أمراً يوجب الخشية بقوله :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ وأكده بوجه آخر فقال :« وإذْ أَخَذْنَا » كأنه قال : اتق الله ولا تخف أاحداً واذكر أن الله ( أخذ ميثاق ) النبيين في أنهم بلغون رسالات الله ولا يمنعهم من ذلك خوف ولا طمع والمراد من الميثاق العهد الذي بينه في إرسالهم وأمرهم بالتبليغ وأن يصدق بعضهم بعضاً قال مقاتل : أخذنا ميثاقهم على أن يدعوا الناس إلى عبادته، ويصدق بعضهم بعضاً وينصحوا لقومهم. قوله :« وإذْ » يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون منصوباً « باذكر » أي اذْكُرْ إِذْ أَخَذْنَا «.
والثاني : أن يكون معطوفاً على مَحَلِّ :» في الكتاب « فيعمل فيه » مَسْطُوراً « أي كان مسطوراً في الكتاب ( و ) وقت أَخِذِنا. قوله :﴿ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ ﴾ خص هؤلاء الخمسةَ بالذكر لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولو العزم من الرُّسُلِ، وقدم النبي - ﷺ - لأنه أولهم في كتاب الله، » كما قال ﷺ : كُنْتُ أَوَّلَ النبيّين في الخَلْقِ، وآخِرَهم في البَعْثِ « قال قتادة وذلك قول الله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ ﴾ فبدأ به - ﷺ - قال ابن الخطيب : وخص بالذكر أربعة من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، لأن موسى وعيسى كان لهما في زمان نبينا قوم وأمه فذكرهما احتجاجاً على قومهما، وإبراهيم ( ﷺ ) يقولون بفضله ( وكانوا يتبعونه في الشعائر، ونوحاً لأنه كان أصلاً ثانياً للناس حيث وجد الخلق منه بعد الطوفان )، وعلى هذا لو قال قائل : فآدم كان أولى بالذكر من نوح فنقول : خلق آدم كان للعمارة ونبوته كانت مثل الأبوّة للأولاد ولهذا لم يكن في زمانه إهلاك قوم ولا تعذيب، وأما نوحٌ فكان مخلوقاً للنبوة وأرسل للإنزال ولما كذّبوه أهلك قومه وأغرقوا، وأما ذكرعيسى بقوله : عيسى ابن مريم والمسيح ابن مريم؛ فهو إشارة إلى أنه لا أب له، إذ لو كان لوقع التعريفُ به.
قوله :» مِيثَاقاً غَلِيظاً « هو الأول، وإنما كرر لزيادة صفته وإيذانا بتوكيده، قال المفسرون : عهداً شديداً على الوفاء بما حملوا. قوله :» ليسألَ « فيها وجهان :
أحدهما : أنها لام كي أي أخذنا ميثاقهم ليسأل المؤمنين عن صدقهم والكافرين عن تكذيبهم فاستغنى عن الثاني بذكر مُسَبِبَّهِ وهو قوله :» وأَعَدَّ « ومفعول صدقهم محذوف أي صِدْقِهِمْ عَهْدَهُمْ، ويجوز أن يكون » صِدْقِهِم « في معنى تصديقهم ومفعوله محذوف أيضاً أي عن تصديقهم الأنْبِيَاءَ.