قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ... ﴾ الآية وهذا تحقيق لما سبق من الأمر بتقوى الله بحث لا يبقى معه خوف من أحد وذلك حين حُوصِرَ المسلمون مع رسول الله - ﷺ - أيام الخَنْدَق، واجتمع الأحزاب واشتد الأمر على الأصحاب حيث اجتمع المشركون بأسرهم واليهود بأجمعهم، ونزلوا على المدينة وعمل النبي - ﷺ - الخَنْدَق وكان الأمر في غاية الشدة والخوف بالغاً إلى الغاية والله دفع القوم عنهم من غير قتال وآمَنَهُمْ من الخوف فينبغي أن لا يخاف العبدُ غَيْرَ ربه فإنه القادر على كل الممكنات فكان قادراً على أن يقهر المسلمين بالكفار مع أنهم ضعفاء كما قهر الكافين بالمؤمنين مع قوتهم وشوكتهم.
قوله :« إذْ جَاءَتْكُمْ » يجوز أن يكون منصوباً « بنعمة » أي النعمة الواقعة في ذلك الوقت، ويجوز أن يكون منصوباً باذْكُرُوا على أن يكون بدلاً من « نعمة » بدل اشتمال، والمراد بالجنون الأحزاب وهم قريش وغَطفَان، ويهود قُرَيْظَةَ والنَّضِير ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً ﴾ وهي الصَّبَا، قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلق بنصر رسول الله - ﷺ - فقالت الشمالُ إن الحرَّّة لا تَسْرِي بالليل فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا وروى مجاهد عن ابن عباس عن النبي - ﷺ - « قال :» نُصِرتُ بالصَّبَا وأهلكَتْ عَادٌ بالدَّبورِ «
قوله :﴿ وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ قرأ الحسن بفتح الجيم، والعامة بضمها، و » جُنَوداً « عطفاً على » ريحاً « و » لَمْ تروها « صفة لهم، وروي عن أبي عمرو، وأبي بكر » لم يَرَوْهَا « بياء الغيبة، وهم الملائكة ولم تقاتل الملائكة يومئذ فبعث الله عليهم تلك اليلة ريحاً باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطنا الفَسَاطِيطِ وأطفأت النيرانَ وأَكْفَأت القُدُورَ، وجالت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول : يا بني فلان هَلُمَّ إليَّ فإذا اجتمعوا عنده قال : النَّجَا النَّجَا أتيتم لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال. ﴿ وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾ وهذا إشارة إلى أنه الله علم التجاءكم إليه وجاءكم فضله فنصركم على الأعداء عند الاستعداد والقصة مشهورة.
قوله :» إِذْ جَاؤُوكُمْ « بدل من » إذْ « الأولى، والحناجر جمع » حَنْجَرَةٍ « وهي رأس الغَلْصَمَةِ والغَلْصَمَة منتهى الحُلْقُومِ، والحلقوم مجرى الطعام والشراب، وقيل : الحلقوم مَجْرَى النفس والمريء الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم وقال الرَّاغِبُ : رَأْسُ الغَْصَمَةِ من خارج.
قوله :» الظُّنُونا « قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر بإثبات ألف بعد نون » الظُّنُون « ولام الرسول في قوله :