﴿ وَأَطَعْنَا الرسولا ﴾ [ الأحزاب : ٦٦ ] ولام السبيل في قوله :﴿ فَأَضَلُّونَا السبيلا ﴾ [ الأحزاب : ٦٧ ] وصلاً وَوَقْفاً موافقة للرسم؛ لأنهن رسمن في المصحف كذلك وأيضاً فإن هذه الألف تشبه هاء السكت لبيان الحركة، وهاء السكت تثبت وَقْفاً للحاجة إليها وقد ثبتت وصلاً إجراءً للوصل مُجْرَى الوقف كما تقدم في البقرة والأنعام فكذلك هذه الألف، وقرأ أبو عمرو وحمزةُ بحذفها في الحالين؛ لأنها لا أصل لها وقولهم : أجريت الفواصل مُجْرَى القوافي غير معتدٍّ به لأن القوافيَ يلتزم الوقف عليها غاباً، والفواصل لا يلزم ذلك فيها فلا تُشَبَّهُ بها، والباقون بإثباتها وقفاً وحذفها وصلاً إجراء للفواصل مُجْرَى القوافي في ثبوت ألف الإطلاق كقوله :

٤٠٦٩ - اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِالوَفَاءِ وَبِالعَدْلِ وَوَلَّى المَلاَمَةَ الرَّجُلاَ
وقوله :
٤٠٧٠ - أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالعِتَابَا وَقُولِي إِنْ أَصَبْتُ لَقَدْ أَصَابَا
ولأنها كهاء السكت وهي تثبت وقفاً وتحذف وصلاً، قال شهاب الدين :« كذلك يقولون تشبيهاً للفواصل بالقوافي وأنا لا أحب هذه العبارة فإِنها منكرة لفظاً ». ولا خلاف في قوله :﴿ وَهُوَ يَهْدِي السبيل ﴾ أنه بغير ألف في الحالين.

فصل


المعنى إذْ جَاؤُوكُمْ من فوقكم أي من فوق الوادي من قبل المَشْرِق وهم « أَسَدٌ »، وغَطَفَان عليهم مالكُ بن عَوْف النَّضرِيّ، وعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْن الفزَاريّ في ألفٍ من غَطَفَانَ ومنهم طلحةُ بن خُوَيْلد الأسَدِيّ في بني أسد، وحُيَيّ بن أَخْطَبَ في يهودِ بني قُرَيْظَةِ ﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ﴾ أي من بطن الوادي من قِبَلِ المَغْرب وهم قُرَيْشٌ وكِنَانَةُ عليهم أبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ ومن معه وأبو الأعور بن سُفْيَانَ السُّلَمِي من قبل الخندق، وكان الذي جر غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله - ﷺ - بَنِي النَّضِير من ديارهم ﴿ وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار ﴾ مالت وشَخِصَتْ من الرعب، وقيل : مالت عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى عدوها ﴿ وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر ﴾ فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحُلُوق من الفَزَع، وهذا على التمثيل عبر به عن شدة الخوف. قال الفراء معناه أنهم جَبنُوا، سبيل الجَبَان إذا اشتد خوفه أن تَنْتَفِخَ رِئَتُهُ فإذا انتفخت الرئة رفعت القلب إلى الحنجرة ولهذا يقال للجبال : انتفخ سحره؛ لأن القلب عند الغضب يندفع وعند الخوف يجتمع فيتقلص بالحنجرة وقد يفضي إلى أن يَسُدَّ مخرج النفس فلا يقدر المرء ( أن ) يتنفس ويموت من الخوف. ﴿ وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا ﴾ وهو اختلاف الظنون، فظن المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم.
فإن قيل : المَصْدَرُ لا يُجْمَعُ فما الفائدة من جمع الظنون؟
فالجواب : لا شك أنه منصوب على المصدر ولكن الاسم قد يجعل مصدراً كما يقال :« ضَرَبْتُهُ سِيَاطاً » و « أَدَّبْتُهُ مِرَاراً » فكأنه قال : ظَنَنْتُمْ ظَنّاً جاز أن يكون مصيبين فإذا قال : ظُنُوناً بين أن فيهم من كان ظنه كاذباً لأن الظنون قد تكذب كلها، وقد تكذب بعضها إذا كانت في أمر واحد كما إذا رأى جمع جسماً من بعيد فظنه بعضهم أنه زيدٌ، وآخرونَ أنه عمرو، وآخرون أنه بكرٌ، ثم ظهر لهم الحق قد يكونون كلهم مخطئين والمرئي شجر أو حجر، وقد يكون أحدهم مصيباً ولا يمكن أن يكونوا كلهم مُصِيبِين في ظنونهم، فقوله :« الظُّنون » فادنا ان فيهم من أخطأ الظن، ولو قال :﴿ تظنون بالله ظناً ﴾ ما كان يفيد هذا، والألف واللام في « الظنون » يمكن أن تكون للاستغراق مبالغة بمعنى تظنون كل ظن، ولأن عند الأمر العظيم كل أحد يظن شيئاً، ويمكن أن تكون الألف واللام للعهد أي ظنونهم المعهودة؛ لأن المعهود من المؤمن ظن الخير بالله كما قاله عليه ( الصلاة و ) السلام :


الصفحة التالية
Icon