ثم قال :﴿ وَإِذْ يَقُولُ المنافقون ﴾ معتب بن قُشَيْر، وقيل : عبد الله بن أبي وأصحابه ﴿ والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ شك وضعف اعتقاد ﴿ مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ وهذا تفسير الظنون وبيان لها، فظن المنافقون أن ما قال الله ورسوله كان زوراً ووعدهما كان غروراً حيث ظنوا بأن الغلبة واقعة لهم يَعِدُنَا محمدٌ فَتْحَ قُصُرِ الشام وفارسَ وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا والله الغرور.
قوله :﴿ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ﴾ أي من المنافقين « وهم أوس بن قيظي وأصحابه » ﴿ ياأهل يَثْرِبَ ﴾ يعني المدينة، قال أبو عبيد ( ة ) : يَثْرِبُ : اسم أرض ومدينة الرسول - ﷺ - في ناحية منها، وفي بعض الأخبار :« أن النبي - ﷺ - نهى أن تمسى المدينةُ يَثْرِبَ، وقال : هي طابة » كأنه كره هذه اللفظة، وقال أهل اللغة : يثرب اسم المدينة، وقيل : اسم البقعة التي فيها المدينة، وامتناع صرفها إما للعلمية والوزن أو للعلمية والتأنيث، وأما يَتْرَب - بالتاء المثناة وفتح الراء فموضع ضع آخر باليمن، قال الشاعر :

٤٠٧٢ - وَعَدْتَ وَكَانَ الخُلْفُ مِنْكَ سَجِيَّةً مَواعِيدَ عُزْقُوب أَخَاء بِيَتْرَبِ
وقال :
٤٠٧٣ - وَقَدْ وَعَدْتُكَ مَوْعِداً لوقت مواعيد عرقوب أخاه بيترب
﴿ لاَ مُقَامَ لَكُمْ ﴾ قرأ حفصٌ، وأبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ بضم الميم، ونافعٌ وابنُ عامر بضم ميمة أيضاً في الدخان في قوله :﴿ إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ ﴾ [ الدخان : ٥١ ] ولم يختلف في الأولى أنه بالفتح وهو « مقام كريم » والباقون بفتح الميم في الموضعين، والضم والفتح مفهومان من سورة مريم عند قوله :﴿ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾ [ مريم : ٧٣ ] فمعنى الفتح لا مكان لكم تنزلون به وتقيمون فيه. ومعنى الضم لا إقامة لكم فارجعوا إلى منازلكم عن اتباع محمد - ﷺ -. وقيل : عن القتال إلى منازلكم. ﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النبي ﴾ هم بنو حارثة وبنو سلمة ﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ أي خالية ضائعة، وهي مما يلي العدو ويخشى عليها السُّراق.
قوله :« عَورةٌ » أي ذاتُ عورة، وقيل : منكشفة أي قصيرة الجُدْرَان للسارق وقال الشاعر :
٤٠٧٤ - لَهُ الشِّدَّةُ الأُولَى إِذَا القَرْنُ أَعْوَرَا... وقرأ ابن عباس وابنَ يَعْمُرَ وقتادةُ وأبو رجاء وأبو حَيْوَة وآخرون : عَورة بكسر الواو وكذلك ﴿ وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ ﴾، وهما اسم فاعل، يقال : عَوِرَ المنزلُ : يَعْوِرُ عَوَراً وعَوِرَة فهو عَوِرٌ، وبيوتٌ عَوِرَةٌ، قال ابن جني : تصحيح الواو شاذ، يعني حيث تحركت وانفتح ما قبلها ولم تقلب ألفاً، وفيه نظر لأن شرط ذاك في الاسم الجاري على الفعل أن يعتل فعله نحومَقَامٍ ومَقَالٍ، وأما هذا ففعله صحيح نحو عَوِرَ، وإنما صح الفعل وإن كان فيه مقتضى الإعلال لِمَدْرَكٍ آخر وهو أنه في معنى ما لا يعلم وهو « أعور » ولذلك لم نتعجب من « عور » وبابه، وأعْوَرَّ المَنْزِلُ : بدت عَوْرَتُهُ، واعورَّ الفارس بدا منه خلله للضَّرْبِ قال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon