والشُّحُّ البخل، وقد تقدم في آل عمران.

فصل


المعنى أشحة عليكم بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة، وقال قتادة بخلاء عند الغنيمة وصفهم الله بالبخل والجبن فقال :﴿ فَإِذَا جَآءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ ﴾ في الرؤوس من الخوف والجبن ﴿ كالذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت ﴾ أي كَدَوَرَانِ عين الذين يغشى عليه من الموت وذلك أن من قَرُبَ من الموت وغَشِيَتْهُ أسبابه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرِفُ، واعلم أن البخل شبيه الجبن فلما ذكر البخيل بين سببه وهو الجبن لأن الجبان يبخل بماله ولا ينفقه في سبيل الله لأنه لا يتوقع الظفر فلا يرجو الغنيمة فيقول هذا إنفاق لا بدل له فيتوقف فيه، وأما الشجاع فيتيقن الظفر والاغتنام فيهون عليه إخراج المال في القتال طمعاً فيما هو أضعاف ذلك.
قوله :« يَنْظُرُونَ » في محل ( نصب ) حال من مفعول « رَأَيْتَهُمْ » لأن الرؤية بصرية.
قوله :« تدور » إما حال تانية وإما حال من « يَنْظُرُونَ » « كالَّذِي يُغْشَى » يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون حالاً من :« أَعْنهم » أي تدور أعينهم حال كونها مشبهة عين الذي يغشى عليه من الموت.
الثاني : أنه نعت مصدر مقدر لقوله « ينظرون » تقديره : ينظرون إليك نظراً مثلَ نظرِ الذي يغشى عليه من الموت ويؤيده الآية الأخرى :﴿ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت ﴾ [ محمد : ٢٠ ] المعنى يحسبون أي هؤلاء المانفِقُونَ يحسبون الأحزاب يعني قريشاً وغَطَفَانَ واليهود « لَمْ يذهبُوا » لم ينصرفوا عن قتالهم من غاية الجبنِ عند ذهابهم كأنهم غائبون حيث لا يقاتلون كقوله :﴿ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قاتلوا إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ﴿ وَإِن يَأْتِ الأحزاب ﴾ أي يرجعون إليهم للقتال بعد الذهاب ﴿ يودوا لو أَنهم بادون في الأعراب ﴾ من الخوف والجبن.
( قوله ) :« بَادُونَ » هذه قراءة العامة جمع « باد » وهو المُقيم بالبادية يقال : بَدَا يَبْدُوا بداوةً إذا خرج إلى البَادِيةٍ، وقرأ عبدُ الله وابنُ عباس وطلحةُ وابنُ يَعْمُرَ بُدَّى - بضم الباء وفتح الدال مشدّدة - مقصوراً كَغَازٍ وغُزّىً، وسَارٍ وسُرّىً. وليس بقياس، وإنما قياسه في بادٍ وبُداةٍ، كقَاضٍ وقُضَاةٍ، ولكن حمل على الصحيح كقولهم :« ضُرَّب ». وروي عن ابن عباس قراءة ثانية بزنة « عُدّىً » وثالثة :« بَدَوا » فعلاً ماضياً.
( قوله ) :« يَسْأَلُونَ » يجوز أن يكون مستأنفاً، وإن يكون حالاً من فاعل « يَحْسَبُونَ » والعامة على سكون السين بعدها « همزة »، ونقل ابن عطية عن أبي عمرو وعاصم بنقل حركة الهمزة إلى السين كقوله :


الصفحة التالية
Icon