وجوز الزمخشري فبها أن تكون بياناً للحال الأولى أي مستأنفة، ولا يظهر البيان إلا على البدل والاستئناف بعيد.
قوله :« وَأَنْزَلَ الذينَ » أي أنزل الله الذين « ظَاهَرُوهُمْ » أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله - ﷺ - والمسلمين وهم بنو قريظة.
قوله :﴿ مِّنْ أَهْلِ الكتاب ﴾ بيان للموصول فيتعلق بمحذوف، ( ويجوز أن يكون حالاً ) « من صَياصِيهِمْ » متعلق « بأنزل » و « من » لابتداء الغاية، والصياصي جمع صِيصِيَةٍ وهي الحصون والقلاع والمعاقل ويقال لكل ما يمتنع به ويتحصن « صِيصِيَةٌ » ومنه قيل لقَرْن الثَّوْرِ ولشوكة الديك : صِيصِيَة، والصّيَاصِي أيضاً شوك الحكة، ويتخذ من حديد قال دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّةِ :

٤٠٨١ -...................... كَوَقْعِ الصَّيَاصِي في النَّسِيجِ المُمَدَّدِ
قوله :﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب ﴾ حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونساءهم للسبي.
قوله :« فريقاً تقتلون » منصوب بما بعده وكذلك « فريقاً » منصوب بما قبله، والجملة مبينة ومقررة لقذف الرعب في قلوبهم والعامة على الخطاب في الفعلين، وابن ذكوان - في رواية - بالغيبة فيهما، واليماني بالغيبة في الأول فقط، وأبو حيوة « تَأْسُرُونَ » بضم السين.
فإن قيل : ما فائدة التقديم المفعول في الأول حيث قال : تقتلون وتأخيره حيث قال « وتأسرون فريقاً؟!.
فالجواب : قال ابن الخطيب إن القائل يبدأ بالأهم فالأهم والأقرب فالأقرب والرجال كانوا مشهورين وكان القتل وارداً عليهم والأسراء كانوا هم النساء والذَّرَارِي ولم يكونوا مشهورين ولاسبي والأسر أظهر من القتل لأنه يبقى فيظهر لكل أحد أنه أسير فقدم من المحلَّين ما هو أشهر على الفعل القائم به ومن الفعلين ما هو أشهر قدمه على المحل الخفي ووجه آخر وهو أن قوله »
فريقاً تقتلون « فعل ومفعول والأصل في الجمل الفعلية تقديم الفعل على المفعول والفاعل أما أنها جملة فعلية فلأنها لوكانت اسمية لكان الواجب في » فريق « الرفع، كأنه يقول فريق منهم تقتلونهم ( فلما نصب كان ذلك بفعل مضمير يفسره الظاهر تقديره :» تقتلون فريقاً تقتلون « ) والحامل على مثل هذا الكلام شدة الاهتمام ببيان المفعول، وههنا كذلك لأنه تعالى لما ذكر حال الذين ظاهروهم وأنه قد قذف في قلوبهم الرعب فلو قال : تقتلون أوهم أن يسمع السامع مفعول » تقتلون « سبق في قلوبهم الرعب إلى سمعهم فيستمع إلى تمام الكلام، وإذا كان الأول فعلاً ومفعولاً قدم المفعول لفائدة عطف الجملة الثانية عليها على الأصل ( فعدم ) تقديم الفعل لزوال موجب التقديم إذ عرف حالهم وما يجيء بعده يكون مصروفاً إليهم فلو قال بعد ذلك :» وَفَريقاً تأسرون « فمن سمع » فريقاً « ربما يظن أنه يقال فيهم يطلقون أو لا يقدرون عليهم فكان تقديم الفعل ههنا أولى وكذا الكلام في قوله :﴿ وَأَنزَلَ الذين ( ظَاهَرُوهُم ) ﴾ ( ظَاهَرُوهُمْ ) وقوله :» قذف «، فإن قذف الرعب قبل الإنزال لأن الرعب صار سبيل الإنزال ولكن لما كان الفرح في إنزالهم أكثر قدم الإنزال على قذف الرعب والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon