والوجه الثاني : أنها أمر من « قَارَ - يَقَارُ- » كخَافَ يَخَافُ إذا اجتمع، ومنه « القَارَةُ » لاجتماعها، فحذفت العين لالتقاء الساكنين، فقيل :« قِرْنَ » « كخِفْنَ » ووزنه على على هذا أيضاً : فلْنَ، إلا أن بعضهم تكلم في هذه القراءة من وجهين :
أحدهما : قال أبو حاتم يقال : قَرَرْتُ بالمَكانِ - بالتفح - أَقِرُّ به - بالكسر - وقِرَّت عَيْنُهُ - بالكسر - تَقَرُّ - بالفتح - فكيف تقرأ وقرن بالفتح؟! والجواب عن هذا أنه قد سمع في كل منهما الفتح والسكر، حكاه أبو عبيد، وتقدم ذلك في سورة مَرْيَمَ.
الثاني : سلمنا أنه يقال قَرِرْتُ بالمكان - بالكسر - أَقَرُّ به - بالفتح - وأن الأمر اقْرَرْنَ إلا أنه لا مسوغ للحذف، لأن الفتحة خفيفة، ولا يجوز قياسه على قولهم « ظلت » في « ظللت » قال تعالى :﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ [ الواقعة : ٦٥ ] و ﴿ ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً ﴾ [ طه : ٩٧ ] وبابه، لأن هناك شيئين ثقيلين التضعيف والكسرة ( فحسن الحذف وأما هنا فالتضعيف فقط )، والجواب أن المقتضي للحذف إنما هو التكرار ويؤيد هذا أنهم لم يحذفوا مع التكرار ووجود الضمة وإن كان أثقل نحو « اغضضن أبْصَارَكُنَّ » وكان أولى بالحذف فيقال : غَضْنَ لكن السماع خلافه قال تعالى :﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ [ النور : ٣١ ] على أن ابن مالك قال : إنه يحذف في هذا بطريق الأولى. أو نقول : إن هذه القراءة إنما هي من « قَارَ - يَقَارُ » بمعنى اجتمع وهو وجه حسن بريء من التكلف فيندفع اعتراض أبي حاتم وغيره لولا أن المعنى على الأمر بالاستقرار لا بالاجتماع. وأما الكسر فمن وجهين أيضاً :
أحدهما : أنه أمر من قَرَّ في المكان - بالفتح - في الماضي والكسر في المضارع، وهي اللغة الفصيحة، ويجيء فهيا التوجيهات الثلاث المذكورة أولاً، أما حذف الراء الثانية أو الأولى أو إبدالُها ياءً وحذفها كما قاله الفارسيّ، ولا اعتراض على هذه القراءة لمجيئها على مشهور اللغة، فيندفع اعتراض أبي حاتم، ولأن الكسر ثقيل فيندفع الاعتراض الثاني ومعناها مطابق لما يراد بها من الثبوت والاستقرار.
الوجه الثانيك أنها أمر من « وَقَرَ » أي ثبت واستقر ومنه « الوَقَار » وأصله اوْقِرْنَ فحذفت الفاء - وهو الواو - واستغني عن همزة الوصل فبقي « قِرْنَ »، وهذا كالأمر من وعد سواء، ووزنه على هذا « عِلْنَ »، قال البغوي : الأصح أنه أمر من « الوقار » قولك من الوعد « عِدْنَا »، ومن الوصل « صِلْنَا ».