وهذه الأوجه المذكورة إنما يهتدي إليها من مَرِنَ في علم التصريف وإلا ضاق به ذَرْعاً.
قوله :« تَبَرُّجَ الجَاهِلِيةِ » مصدر تشبيهيّ أي مثل تبرج والتبرج الظهور من البُرْجِ لظهوره، وقد تقدم، وقرأ البزِّيُّ :« ولا تبرجن » بإدغام التاء في التاء، والباقون بحذف إحداهما وتقدم تحقيقه في البقرة في :« وَلاَ تَيَمَّمُوا ».
فصل
قال المفسرون وقرن أي الزمْنَ بيوتكنّ من قولهم : قررت بالمكان أقر قراراً يقال : قررت : أقر وقررت : أقر، وهما لغتان، لإن كان من الوقار أي كن أهل وقار وسكون من قولهم : وَقَر فُلان يَقِر وُقُوراً إذا سكن واطمأن، و « لا تبرجن » قال مجاهد وقتادة التبرج هو التكسر والتغنج، وقال ابن أبي نُجَيح : وهو التبختر، وقيل : هو إظهار الزينة، وإبراز المحاسن لرجال « تَبَرُّجَ الجَاهِلية الأولى » قال الشعبي : هي ما بين عيسى ومحمد - ﷺ - وقال أبو العالية : هي بين داود وسليمان - عليهما السلام -، وكانت المرأة تلبس قميصاً من الدر غير مخيط الجانبين فيرى حلقها فيه، وقال الكلبي : كان ذلك في زمن نمروذ، وكانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه، وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره، وتعرض نفسها على الرجال، وروى عِكْرَمةُ عن ابن عباس أنه قال : الجاهلية الأولى أي فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحاً وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صباحاً وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل وأجر نفسه منه فكان يخدمه واتخذ شيئاً مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع مثله فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يسمعون إليه واتخذه عيداً يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال وتتزين الرجال لهن، وإن رجلاً من أهل الخيل هجم عليهم في عيدهم فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فذلك قوله :﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى ﴾، وقيل : الجاهلية الأولى ما ذكرنا والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان، وقيل : قد تذكر الأولى وإن لم يكن لها أخرى كقوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى ﴾ [ النجم : ٥٠ ] ولم يكن لها أخرى.
قوله :﴿ وَأَقِمْنَ الصلاة وَآتِينَ الزكاة وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ ﴾ يعني ليس التكليف في النهي وحده حتى يحصل بقوله :﴿ وَلاَ تَخْضَعْنَ. وَلاَ تَبَرَّجْنَ ﴾ بل في النهي وفي الأوامر فأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله فيما أمر به، ونهى عنه ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس ﴾ قال مقاتل : الرجس : الإثم الذي نهى الله النساء عنه، وقال ابن عباس يعني عمل الشياطين وما ليس لله فيه رضا.