قوله :﴿ وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ ﴾ وهو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإِسلام « وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ » بالتحرير والإِعتاق.
قوله :« أَمْسِكْ عَلَيْكَ » نص بعض النحويين على أن « على » في مثل هذا التركيب اسم قال : لئلا يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضمير المتصل في غير باب « ظَنَّ » وفي لفظتي : فَقَدَ وعَدِمَ وجعل من ذلك :

٤٠٩٠ - هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنَّ الأُمُ ورَ بِكَفِّ الإِلَهِ مَقَادِيرُهَا
وكذلك حكم على « عن » في قوله :
٤٠٩١ - [ ف ] دَعْ عَنْكَ نَهبْاً صِيحَ في حجَرَاتِهِ... وقد تقدم ذلك مُشْبَعاً في النَّحل في قوله :﴿ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ ﴾، وفي قوله :﴿ وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة ﴾ [ مريم : ٢٥ ] ( وقوله ) :﴿ واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾ [ القصص : ٣٢ ].
قوله :« وَتُخْفِي » فيه أوجه :
أحدها : أنه معطوف على « تقول » أي وإِذْ تَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِكَ كَذَا وإِخْفَاءِ كَذَا وخَشْيَةِ الناس قاله الزمخشري.
الثاني : أنها واو الحال أي تقول كذا في هذه الحالة، قاله الزمخشري أيضاً، وفيه نظر حيث إنه مضارع مثبت فكيف تباشره الواو؟ وتخريجه « قُمْتُ وَأَصُكُّ عَيْنَهُ » أعني على إضمار مبتدأ.
الثالث : أنه مستأنف قاله الحوفي، وقوله :﴿ والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾ تقدم مثله في بَرَاءَةَ.

فصل


قال المفسرون إن الآية نزلت في زَيْنَبَ بنتِ جَحْش، وذلك « أن رسول الله - ﷺ - لما زوج » زينب « من » زَيْد « مكثَتْ عنده حيناً ثم إن رسول الله - ﷺ - أتى زيداً ذات يوم لحاجة فأبصر زينب قائمة في دِرْع وخِمَار، وكانت بيضاء وجميلة ذات خُلُق من أتمِّ نساء قريش فوقعت في نفسه، وأعجبه حسنها فقال : سبحان الله مقلِّبَ القلوب وانصرف فلما جاء زيد ذكرت ذلك له، ففطن زيد فألقي في نفس زيد كراهتها في الوقت فأتى رسول الله - ﷺ - فقال : إن أريدُ أن أفارق صاحبتي قال : ما لك أَرَابَكَ منها شيء قال : لاَ واللَّهِ يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظم عَلَيَّ لشرفها وتؤذيني بلسانها. فقال النبي - ﷺ - أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوجَكَ يعني زينب بنت جحش واتَّقِ اللَّهِ في أمرها ثم طلَّقَها زيدٌ »، فذلك قوله تعالى :﴿ وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ ﴾ بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالإعتاق وهو زيد بن حارثة ﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله ﴾ فيها ولا تفارقها ﴿ وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ ﴾ أي تُسرُّ في نفسك ما الله مظهره أي كان في قلبه لو فارقها تزوجها. وقال ابن عباس : حبها، وقال قتادة : وَدَّ أنه لو طلقها « وَتَخْشَى النَّاسَ » قال ابنُ عباس والحسن : تستحييهم، وقيل : تخاف لائمةَ الناس أن يقولوا أمرَ رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها، ﴿ والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾.


الصفحة التالية
Icon