قال عمر وابن مسعود وعائشة : ما نزلت على رسول الله - ﷺ - آية هي أشد عليه من هذه ( الآية ). وروي عن مسروق قال : قالت عائشة : لو كتم النبي - ﷺ - شيئاً مِمَّا أوحي إليه لكتم هذه الآية :﴿ وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ ﴾ وروي عن سفيانَ بْن عُيَيْنَةَ عن عليِّ بن جُدْعَانَ قالك سألني عليّ بن الحُسَيْنِ زَيْنُ العابدين ما يقول الحَسَنُ في قوله :﴿ وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ﴾ قال : قلت :( تقول ) :« لَمَّا جاء زيد إلى النبي - ﷺ - فقال له : يا نبي إني أريد أن أطلق زينب فأعجبه ذلك قال : أمسك عليك زوجك واتق الله » فقال علي بن الحسين ليس كذلك كان الله قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيداً سيطلقها فلما جاء زيد قال : أريد أن أطلقها قال له : أمْسِكْ عليك زوجك فعاتبه الله وقال : لِمَ قُلْتَ : أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهذا هو الأولى ولأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال :« زَوَّجْنَاكَهَا » فلو كان الذي أضمره رسول الله - ﷺ - محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أنه يخبر أنه يُظْهِرُه ثم يكتمه فلا يظهره فدل على أنه لا يجوز أن يخبر أنه يُظْهِرُهُ ثم يكتمه فلا يظهره فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجة له، وإنما أخفاه استحياء أن يقول لزيد : إن الذي تحتك في نِكَاحِكَ ستكون امرأتي وهذا حسن وإن كان الآخرَ وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء؛ لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المأثم؛ لأن الوُدَّ ومَيْلَ النفس من طبع البشر، وقوله :﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله ﴾ أمر بالمعروف وهو خشية الإثم فيه وقوله :﴿ والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾ لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه ( الصلاة و ) السلام قد قال :« أَنَّا أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ » ولكن المعنى الله أحَقُّ أنْ تَخْشَاهُ وَحْدَهُ، ولا تخشى أحداً معه وأنت تخشاه وتخشى الناس أيضاً، فلام ذكر الخشية من الناس ذكر أن الله احق بالخشية في عموم الأحوال وفي جميع الأشياء.
قوله :﴿ فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ﴾، « وطراً » مفعول « قضى »، والوَطَرُ الشهوة والمحبة قاله المبرد وأنشد :