﴿ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ﴾ وهذا بشارة لجميع المؤمنين وأشار بقوله :« يصلي عليكم » أن هذا غير مختص بالسامعين وقت الخطاب. قوله :« تَحِيَّتُهُمْ » يجوز أن يكون مصدراً مضافاً لمفعوله، وأن يكون مضافاً لفاعله ومفعوله على معنى أن بعضهم يُحَيِّي بعصاً، فيصح أن لا يكون الضكير للفاعل والمفعول باعتبارين لا أنه يكون فاعلاً ومفعولاً من وجهٍ واحد وهو قول من قال :﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٧٨ ] أنه مضاف للفاعل والمفعول.
فصل
المعنى تحيةُ المؤمنين يَوْمَ يلقونه أي يرون الله سلام أي يسلم اللَّهُ عليهم ويسلمهم من جميع الآفات، وروي عن البراب بن عازب قال : تحيتهم يوم يلقونه سلام يعني ملك الموت لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه. وعن ابن مسعود قال : إذا جاء ملك يقبض روح المؤمن قال : رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السلام، وقيل : تسلم عليهم الملائكة تبشرهم حين يخرجون من قبورهم ثم قال :﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً ﴾ يعني الجنة.
فإن قيل : الإعداد إنما يكون مِمَّن لا يقدر عند الحاجة إلى الشيء عليه، وأما الله تعالى فغير محتاج ولا عاجز فحيث يلقاه ( و ) يؤتيه ما يرضى به وزيادة فما معنى الإعداد من قبل؟.
فالجواب : أن الأعداد للإكرام لا للحاجة.
قوله :﴿ ياأيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ﴾ أي شاهداً للرسل بالتبليغ « وَمُبَشِّراً » لمن آمن بالجنة و « نَذِيراً » لمن كذب بالنار « فشاهداً » حال مقدرة، أو مقارنة لقرب الزمان ﴿ وَدَاعِياً إِلَى الله ﴾ إلى توحيده وطاعته، وقوله « بِإِذْنِهِ » حال أي ملتبساً بتسهيله، ولا يريد حقيقة الإذن لأنه مستفاد من « أَرْسَلْنَاكَ ».
قوله :« وَسِرَاجاً » يجوز أن يكون عطفاً على ما تقدم، إما على التشبيه، إما على حذف مضاف أي ذا سراج، وجوز الفَرَّاءُ أن يكون الأصل : وتالياً سراجاً، ويعني بالسِّراج القرآن، وعلى هذا فيكون من عطف الصفات وهي لذات واحدة، لأن التالي هو المرسل. وجوز الزمخشري أن يعطف على مفعول « أَرْسَلْنَاكَ » وفيه نظر لأن السراج هو القرآن ولا يوصف بالإرسال بل بالإنزال إلاَّ أن يقال : إنه حمل على المعنى كقوله :
٤٠٩٦ - فَعَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً | [ حَتَّ شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا ] |