والثاني : انه ينتصب بمقدر تقديره :« ويُحِلُّ لك امرأةً ».
قوله :« إنْ وَهَبَتْ، إِنْ أَرَادَ » هذا من اعتراض الشرط على الشرط، والثاني هو قيد في الأول ولذلك نعربه حالاً، لأن الحال قيد، ولهذا اشترط الفقهاء أن يتقدم الثاني على الأول في الوجود. فلو قال : إن أَكَلْتُ إنْ رَكِبْتُ فأنتِ طالقٌ، فلا بد أن يتقدم الركوب على الأكل، وهذا له تحقق الحالية والتقييد كما ذكرنا، إذ لو لم يتقدم لخلا جزء من الأكل غير مقيد بركوب فلهذا اشترطنا تقدم الثاني وقد مضى تحقيق هذا وأنه يشترط أن لا تكون ثَمَّ قرينة تمنع من تقدم الثاني على الأول كقوله :« إنْ تَزَوَّجْتُك إِنْ طَلَّقْتُكِ فعَبْدِي حُرٌّ » ( لأنه ) لا يتصور هنا تقديمُ الطلاق على التَّزويج.
قال شهاب الدين : وقد عرض لي إشكال على ما قاله الفقهاء بهذه الآية وذلك أن الشرط الثاني هنا لا يمكن تقدمه في الوجود بالنسبة إلى الحكم الخاص بالنبي - ﷺ - لا أنه لا يمكن عقلاً، وذلك ان المفسرين فسروا قوله تعالوا :« إنْ أَرَادَ » بمعنى قبل الهِبَة لأن بالقبول منه ( عليه الصلاة و ) السلام يتم نكاحه وهذا لا يتصور تقدمه على الهبة إذ القبول متأخر، وأيضاً فإن القصة كانت على ما ذكرته من تأخر إرادته من هِبَتها وهو مذكور في التفسير، وأبو حيان لما جاء إلى ههنا جعل الشرط الثاني متقدماً على الأول على القاعدة العامة، ولم يسشكل شيئاً مما ذكرته، وقد عرضت هذا الإِشكال على جماعة من أعيان زماننا فاعترفوا به ولم يظهر عن جواب إلا ما قدمته من أنه ثم قرينة مانعة من ذلك كما مثلته آنفاً، وقرأ أبو حيوة « وامْرَأَةٌ » بالرفع على الابتداء، والخبر مقدر، أي أَحْلَلْنَا لَكَ أَيْضاً. وفي قوله :﴿ إِنْ أَرَادَ النبي ﴾ التفات من الخطاب إلى الغيبة بلفظ الظاهر تنبيهاً على أن سبب ذلك النبوة، ثم رجع إلى الخطاب فقال :« خَالِصَةً لَكَ »، وقرأ أبي والحسن وعيسى « أَنْ » بالفتح، وفيه وجهان :
أحدها : أنه بدل من « امرأة » بدل اشتمال قاله أبو البقاء، كأنه قيل : وأحْلَلْنَا لك هِبَةَ المَرْأَةِ نَفْسَهَا لَكَ.
قوله :« خالصة » العامة على النصب وفيه أوجه :
أحدها : أنه منصوب على الحال من فاعل « وَهَبَتْ » أي حال كونها خالصةً لك دُونَ غَيْرِكَ.