الثاني : قال الفراء : أضاف الظهر إلى واحد فيه معنى الجمع بمنزلة الجنس، فلذلك ذَكَّرَهُ، وجمع الظهور باعتبار معناها.
الثالث : أن التأنيث فيها ليس حقيقاً، فجاز أن يختلف اللفظ فيه، كما يقال : عِنْدِي مِنَ النِّسَاء مَنْ يُوَافِقُكَ.
قوله :« لِتَسْتَوُوا » يجوز أن تكون هذه لام العلة، وهو الظاهر وأن تكون للصيرورة فتتعتلق في كليهما ب « جَعَل ». وجوز ابن عطية : أن تكون للأمر، وفيه بعد، لقلة دخولها على أمر المخاطب.
وقُرىءَ شاذاً : فَلْتَفْرَحُوا وفي الحديث :« لِتَأْخُذُوا مَصَافَّكُمْ » وقال :

٤٣٩٢ لِتَقُمْ أَنْتَ يَا ابْنَ خَيْرِ قُرَيْشٍ فَتَقْضِي حَوَائِجَ المُسْلِمِينَا
نص النحويون على قلتها عدا أَبَا القَاشِم الزَّجَّاجِيِّ، فإنه جعلها لغة جيدة.
قوله :﴿ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ ﴾ أي تذكرونها في قلوبكم، وذلك الذكر هو أن يَعْرِف أن الله تعالى خلق البحر وخلق الرياح، وخلق جُرْمَ السفينة على وجه يُمْكِنُ الإنسان من تصريف هذه السفينة إلى أي جانب شاء، فإذا تذكر أن خلق البحر، وخلق الرياح، وخلق السفينة على هذه الوجوه القابلة لتصرف الإنسان ولتحريكاته، إنما هو من تدبير الحيكم العليم القدير، عرف أن ذلك نعمة من الله تعالى، فيَحْمِلُهُ ذلك على الانقياد لطاعة الله تعالى، وعلى الاشتغال بالشكر، لنعم الله التي نهاية لها.
قوله :﴿ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ مطيقين وقيل : ضابطين.
واعلم أنه تعالى عين ذكراً لركوب السفينة والدابة، وهو قوله :﴿ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا ﴾ وذكر دخول المنازل :﴿ رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين ﴾ [ المؤمنون : ٢٩ ] وتحقيقه أن الدابة المركوبة لا بدّ أن تكون أكثرَ قوة من الإنسان بكثير، وليس لها عقل يهديها إلى طاعة الإنسان، ولكنه تعالى خلق تلك البهيمة على وجوه مخصوصة في خلقها الظاهر، وخلقها الباطن، فحصل منها هذا لانتفاع. أما خَلْقُها الظاهر، فلأنها تَمْشِي على أربَعٍ، وكان ظهرها يحسن لاستقرار الإنسان وأما خلقها الباطن فلأنها مع قوتها الشديدة قد صيّرها الله تعالى مُنْقَادةً للإنسان، ومسخّرة له، فَإذا تأمل الإنسان في هذه العجائب عَظُمَ تعجبه من تلك القدرة، والحكمة التي لا نِهاية لها، فلا بدّ وأن يقول : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.
قوله :« ( لَهُ ) مُقِرْنِينَ »، « له » متعلق « بمقرنين »، وقدم الفواصل. والمُقْرِنُ : المُطيقُ للشيء الضابط له من : أَقْرَنَهُ : أي أَطَاقَهُ. قال الواحدي : كأن اشتقاقه من قولك : صِرْتُ له قِرْناً، ومعنى قِرْن فُلاَنٍ، أي مثلُهُ في الشِّدة.
وقال أبو عبيدة : قِرْنٌ لفلانٍ أي ضابط له. والقَرْنُ الحَبْلُ، وقال ابن هَرْمَةَ :


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
٤٣٩٣ وَأقْرَنْتُ مَا حَمَّلِتْنِي وَلَقَلَّمَا يُطَاقُ احْتِمَالُ الصَّدِّ يَا دَعْدُ والهَجْرُ