قوله :﴿ وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً ﴾ جعلوا أي حكموا به.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عام :« عِنْدَ الرَّحْمَن » ظرفاً ويؤيده قوله :﴿ إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠٦ ] والباقون « عباد » جمع عَبْد والرسم يحتملها. وقرأ الأعمش كذلك، إلا أنه نصب « عباد » على إضمار فِعْل، أي الذين هم خُلِقُوا عِبَاداً ونحوه وقرأ عبدالله وكذلك هي في مصحفه الملائكة عبادَ الرحمن وأبي عبدالرحمن بالإفراد، وإناثاً هو المفعول الثاني للجَعْلِ بمعنى الاعتقاد أو التصيير القولي. وقرأ زَيْدُ بْنُ عِليّ : أُنُثاً جمعُ الجَمْعِ.
قوله :« أَشَهِدُوا » قرأ نافع بهمزة مفتوحة، ثم بأخرى مضمومة مُسَهَّلةٍ بينها وبين الواو وسكون الشين على ما لم يسمّ فاعله أي أحَضَرُوا خَلْقَهُمْ حين خلقوا، كقوله :﴿ أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ [ الصافات : ١٥٠ ]. وهذا استفهام على سبيل الإنكار. وقرأ قالون ذلك بالمد يعني بإدخَتال ألِفٍ بين الهمزتين، والقصر يعني بعندم الألف. الباقون بفتح الشين بعد همزة واحدة. فنافع أدخل همزة للتوبيخ على « أَشَهِدُوا » فعلاً رباعياً مَبْنيًّا للمفعول فسهّل همزته الثانية وأدخل ألفاً بينهما كراهة لاجتماعهما، وتارة لم يدخلها اكتفاء بتسيهل الثانية وهي أَوْجَهُ. والباقون أدخلوا همزة الإنكار على « شَهِدُوا » ثلاثياً. ولم ينقل أبو حيان عن نافع تسهيلَ الثانية. بل نقله عن عليِّ بْنِ أبي ط البٍ.
وقرأ الزهري أُشْهِدُوا رباعياً مبنياً للمفعول وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون حذف الهمزة لدلالة القراءة الأخرى عليها، كما تقدم في قراءة أَعْجَميٌّ.
والثاني : أن تكون الجملة خبرية، وقعت صفة لإناثاً، أي أجَعَلُوهُمْ إنَاثاً مَشْهُوداً خَلْقَهُمْ كذلك.
قوله :﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ ﴾ قرأ العام ستُكْتَب بالتاء من فوق مبنياً للمفعول « شهادتهم » بالرفع لقيامه مقام الفاعل؟ وقرأ الحسن : شَهَادَاتُهُمْ بالجَمْع، والزُّهْريُّ : سَيَكْتُبُ بالياء من تحت وهو في الباقي كالعامة. وابن عباس وزيدُ بْنُ عليّ وأبو جعفر وأبو حَيْوَةَ سَنَكْتُبُ بنون العظمة شَهَادَتَهُمْ بالنصب مفعولاً به.
فصل
المعنى سنكتب شهادتهم على الملائكة أنهم بنات الله ويسألون عنها. قال الكلبي ومقاتل : لما قالوا هذا القول سألهم النبي ﷺ فقال : ما يُدْرِيكُمْ أنهم إناث؟ قالوا : سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لَمْ يُكَذِّبُ ا فقال اله تعالى :﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ عنها في الآخرة وهذا يدل على أن القول بغير دليل منكر، وأن التقليد حرام يوجب الذم العظيم، والعقاب الشديد.
قال المحققون : هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه :
أولها : إثبات الولد.
ثانيها : أن ذلك الولد بنت.
وثالثها : الحكم على هؤلاء الملائكة بالأنوية.
فصل
احتج من قال بتفضيل الملائكة على البشر بهذه القراءات، أما قراءة « عِنْدَ » بالنون، فهذه العندية لا شك أنها عندية الفضل والقرب من الله تعالى بسبب الطاعة ولفظة « هُمْ » يوجب الحصر والمعنى أنهم هم الموصوفون بهذه العندية لا غيرهم، فوجب كونهم أفضل من غيرهم، رعاية للفظ الدال على الحَصْرِ.