وإذا ثبت هذا بالجانب المسمى بالمَشْرِق، فإنه مشرق الشمس ولكنه مغرب القمر. وأما الجانب المسمَّى بالمغرب فإنه مشرق القمر ولكنه مغرب الشمس، وبهذا التدقير يصح تسمية المشرق والمغرب بالمشرقين. قال :« ولعل هذا الوجه أقرب إلى مطابقة اللفظ من سائر الوجوه ». وهذا ليس بشيء، فإن ظهور القمر من المغرب ما كان لكونه أشرق من الغرب إنما كان ظهورها لغيبوبة شُعَاع الشَّمْسِ عنه، وإنما كان إشراقه وظهوره من المشرق الحقيقي ولكنه كان مختفياً بشعاع الشمس.
قوه :﴿ فَبِئْسَ القرين ﴾ والمخصوص بالذم محذوف أي أنت. قال أبو سعيد الخدري :« إذا بعض الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير بِهِ إلى النار ».
قوله :﴿ وَلَن يَنفَعَكُمُ ﴾ في فاعله قولان :
أحدهما : أنه ملفوظ به وهو « أنَّكُمْ » وما في خبرها التقدير : ولن ينفعكم اشتراكُكُمْ في العذاب بالتأسِّي كما ينفعكم الاشتراك في مصائب الدنيا فيتأسى المصَاب بمِثْلِهِ.
ومنه قول الخنساء :

٤٤٠٦ وَلَوْلا كَثْرَةُ البَاكِينَ حَوْلِي عَلَى مَوْتَاهُمُ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلكِنْ أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُمْ بِالتأَسِّي
والثاني : أنه مضمر، فقدره بعضهم ضمير التمني، المدلول عليه بقوله :« يَا لَيْتَ بَيْنِي » أي لن ينفعكم تمنيكم البُعْد.
وبعضهم : لن ينفعكم اجتماعكم. وبعضهم : ظلمكم، وجحدكم. وعبارة من عبّر بأن الفاعل محذوف مقصوده الإضمار المذكور لا الحذف؛ إذ الفاعل لا يحذف إلا في مواضع، ليس هذا منها وعلى هذا الوجهه يكمون قوله :« أنكم » تعليل، أي لأنَّكُمْ، فحذف الخافض، فجرى في محلها الخلاف، أهو نصب أم جر؟ ويؤيد إضمار الفاعل لا أنه هو إنكم قراءة إنكم بالكسر فإنه استئناق مفيد للتعليل.
قوله :« إذْ ظَلَمْتُمْ » قد استشكل المعربون هذه الآية، ووجهه هو أن قوله ( اليوم ) ظرف حالي و « إذْ » ظرف ماض، و « ينفعكم » مستقبل، لاقترانه بلن، التي لنفي المستقبل، والظاهر أنه عامل في الظَّرْفَيْنِ، وكيف يعمل الحدث المستقبل الذي لم يقع بعد في ظرف حاضر أو ماض؟! هذا ما لا يجوز. وأجيب : عن إعماله في الظرف على سبيل قربه منه، لأنَّ الحال قريب من الاستقبال، فيجوز في ذلك، قال تعالى :﴿ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن ﴾ [ الجن : ٩ ]، وقال الشاعر :
٤٤٠٧..................... سَأسْعَى الآنَ إِذْ بَلَغَتْ إنَاهَا
وهو إقناعي، وإلا فالمستقبل يستحيل وقوعه في الحال عقلاً. وأما قوله :« إذْ » ففيها للناس أوجه كثيرة : قال ابن جني : راجعت أبا علي فيها مراراً، وآخر ما حصلت منه أن الدنيا والآخرة متصلتان، وهما سواء في حكم الله تعالى وعلمه.


الصفحة التالية
Icon