فصل


تمسك القائلون بذم الجدل بهذه الآية، والآيات الكثيرة دالة على مدح الجدل فالتوفيق بينهما أن تًصْرَفَ الآيات الدالة على مدح الجدل إلى الجدل الذي يفيد تقرير الحق وتصرف هذه الآية إلى الجدل الذي يوجب تقرير الباطل.
قوله ( تعالى ) :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ ﴾ أي ما هو يعني عيسى « إلاَّ عَبْدٌ » كسائر العبيد « اَنْعَمْنَا عَلَيْه » حيث جعلناه آية، بأن خلقناه من غير ذكَرٍ كما خلقنا آدم، وشرفناه بالنبوّة « وَجَعَلْنَاه مَثَلاً » أي آية وغيره « لِبَنِي إسْرَائِيلَ » يعرفون به قدرة الله على ما يشاء حيث خقله من غير أبٍ ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً ﴾ أي لو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلاً منكم ملائكة ﴿ فِي الأرض يَخْلُفُونَ ﴾ أي يكونون خلفاً منكم يَعْمُرونَ الأرض، ويعبدونني ويطيعوني. وقيل : يخلف بعضُهم بعضاً.
قوله :﴿ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً ﴾ في مِن هذه أقوال :
أحدها : أنها بمعنى بدل أي لجعلنا بَدَلَكُمْ كما تقدم في التفسير، ومنه أيضاً ﴿ أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة ﴾ [ التوبة : ٣٨ ] أي بدلها. وأنشد ( رَحْمَةُ اللهِ عليه ) :
٤٤١٥ أَخَذُوا المَخَاضَ مِنَ الفَصِيلِ غُلُبَّةً ظُلْماً وَيُكْتَبُ للأَمِيرِ إفَالاً
وقال آخر :
٤٤١٦ جَارِيَةٌ لَمْ تَأكُل المُرَقَّقَا وَلَمْ تّذُقْ مِنَ البُقُولِ الفُسْتُقَا
والثاني : هو المشهور : أنها تبعيضية. وتأويل الآية لولدنا منكم يا رجالُ ملائكةً في الأرض يَخْلُفُونَكُمْ كما تخلفُكُمْ أولادكم، كما ولدْنا عيسى من أنثى دونَ ذكر. ذكره الزمخشري.
والثالث : أنها تبعيضية قال أبو البقاء وقيل : المعنى لَحَوَّلْنَا بعضَكُمْ ملآئكة.
قوله :« وَإِنَّه لعِلْمٌ » المشهور أن الضمير « لِعِسى يعني نزوله آخر الزمان، وقيل الضمير للقرآن، أي فيه علم الساعة وأهوالها، أو هوعلامة على قربها ومنه ﴿ اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ [ الأنبياء : ١ ] ﴿ اقتربت الساعة ﴾ [ القمر : ١ ] ومنه :» بُعثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ « والعامة على » عِلْم « مصدراً جعل علْماً مبالغة، لمَّا كان به يحصل العلم، أو لما كان شرطاً يعلم به ذلك أطلق عليه علم. وابنُ م عباس وأبُو هيريرة وأبو مَالِكٍ الغفاريّّ وزيد بن علي لَعَلَمٌ، بفتح العين والفاء أي لشرطٌ وعلامةٌ. وقرا أبو نَضْرَةَ وعِكْرمةُ كذلك إلا أنَّهما عرَّفا باللام فقرآ لَلْعِلْمُ أي للعَلاَمةُ المَعْرُوفَةُ.

فصل


معنى الآية أن نزول عيسى من أشراط الساعة يعلم بها قربها، قال عليه الصلاة ولاسلام :»
لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَادِلاً يَكْسرُ الصَّلِيبَ ويَقْتُلُ الْخِنزِير، وَيَضَعُ الجِزْيَةَ، وتَهْلِكُ فِي زَمَانِهِ المِلَلُ كُلُّهَا إلاَّ الإسْلاَمَ « ويروى : أنه ينزل على ثنيّة بالأرض المقدسة يقال لها أَفِيق، وبيده حَرْبَةٌ، وعليه مُمَصَّرتَانِ، وشعر رَأسِهِ دَهِينٌ يقتل الدَّجَّالَ، ويأتي بيتَ المقدس والناس في صلاة العصر روري في صلاة الصبح فيتأخر الإمام فيتقدمه عيسى ﷺ ويصلي خَلْفه على شريعة محمد صلى لله عليه وسلم ثم يقتُل الخَنَازِيرَ، ويكسرُ الصليبَ، ويخَرب البيعَ والكنائسَ ويقتل النَّصَارَى إلا من آمن به.


الصفحة التالية
Icon