قوله :« الَّذِينَ آمَنُوا » يجوز أن يكون نعتاً لِعبَادِي، أو بدلاً منه، أو عطف بيان الله، أو مقطوعاً منصوباً بفعل أي أعْنِي الذين آمنوا.
أو مرفوعاً بالابتداء وخبره مضمر، تقديره يقال لهم : ادْخُلُوا.

فصل


قال مقاتل : إذا وقع الخوف يوم القيامة نداى مُنَادٍ : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم. فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رُؤوسم فيقال :﴿ الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ فينكس أهل الأديان الباطلة رؤوسهم فيمر حسابهم على أحسن الوجوه ثم يقال لهم :﴿ ادخلوا الجنة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾ تُسَرُّونَ وتُنعمُونَ والحبرةُ المبالغةُ في الإكرام على أحسن الوجوه وتقدم تفسيره في سورة الروم.
قوله تعالى :﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
قوله :« يُطَافُ عَلَيْهِمْ » قبله محذوف أي يَدْخُلُونَ ( و ) يُطَافُ. الصِّحَافُ جمع صَحْفَةٍ كجَفْنَةٍ وجِفَانٍ؛ قال الجوهريُّ : الصحْفَةُ كالقَصْعَةِ. وقال الكسائي : أعظلم القِصَا الجَفْنة، ثم القَصْعَة تشبعُ العشرة، ثم الصفحة تشبع الخمسة، ثم المَكِيلةَ تشبع الرجلين والثلاثة ( ثم الصحيفة تشبع الرجل ). والصحيفة الكتاب والجمع صُحُفٌ وصَحَائِفُ. وأمال الكسائي في رواية بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ؟
« وأكواب » جمع كُوب، وهو إناء مستدير مدوَّر الرأس لا عُرى له. وقيل : هو كالإبريق إلا أنه عروة له. وقيل : إنه ما لا خرطوم له. وقيل : إنه لا خرطوم له ولا عروة معاً. قال الجواليقي : ليتمكن الشارب من أين شاء، فِإن العُرْوَةَ تمنع من ذلك، وقال عديّ :
٤٤١٧ مُتَّكِئاً تَصْفِقُ أَبْوَابُه يَطُوفُ عَلَيْهِ العَبْدُ بالكُوبِ
والتقدير : وأكواب من ذهب. فقوله :﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ ﴾ إشارة إلى المطعوم، وقوله :« وَأَكْوَابٍ » إشارة إلى المشروب. ثم إنه تعالى لما ذكر التفصيل ذكر بياناً كلياً فقال :﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين ﴾ أي في الجنة.
قوله :﴿ مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس ﴾ قرأ نافع وابن عامر وحفص تَشْتَهِيهِ بإثبات العائد على الموصول، كقوله : ك ﴿ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان ﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ]. والباقون بحذفه كقوله :﴿ أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً ﴾ [ الفرقان : ٤١ ]. وهذه القراءة شبيهة بقوله :﴿ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾ [ يس : ٣٥ ]. وقد تقدم يسَ. وهذه الهاء في هذه السورة رسمت في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها.
وقد وقع لأبي عبدالله الفاسي شارح القصيدة وَهَم فسبق قلمه فكتب والهاء منه محذوفة في مصاحف المدينة والشام ثابتة في غيرهما أراد أن يكتب ثابتة في مصاحف المدينة والشام محذوفة من غيرهما فعكس. وفي مصحف عبدالله : تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّهُ الأعيُنُ بالهاء فيِهِمَا.

فصل


روي أن رجلاً قال يا رسول الله ( هل ) في الجنَّة خَيْلٌ؟ فإني أُحب الخيل فقال : إن يُدْخِلْكَ الله الجنة فلا تشاء أن يركبك فرساً من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فَعَلْتَ. فقال أعرابي يا رسول الله : أفي الجنة إبل؟ فإني أحب الإبل فقال يا أعرابي : إنْ أَدْخَلَك الله الجنَّة أَصَبْتَ فيها ما اشتهيت نفسك ولَذَّتْ عَيْنُك.


الصفحة التالية
Icon