فإن قيل : كيف قال :« وَنَادَوْا يَا مَالِكُ » بَعْدَ مَا وَصَفُهمْ بالإبْلاَسِ؟
فالجواب : أنها أزمنةٌ متطاولة، وأحقابٌ ممتدة فتختلف بهم الأحوال فَيْسكُنُونَ أوقاتاً لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتاً لشدة ما بهم. روي أنه يُلْقَى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون : ادعوا مالكاً فيَدْعُونَ يا مالكُ لِيَقْضِي عَلَيْنَا رَبُّكَ.
ولما ذكر الله تعالى كيفيةَ عذابهم في الآخرة، ذكر بعده كيفية مكرهم، وفساد باطنهم في الدنيا فقال :﴿ أَمْ أبرموا أَمْراً ﴾ أي أحكموا أمراً في المكر برسول الله ﷺ يعني مشركي مكة « فإنَّا مُبْرِمُونَ » محكمون أمراً في مجازاتهم أي مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى :﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون ﴾ [ الطور : ٤٢ ]. قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم في المكر في دار الندوة وقد تقدم في قوله :﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ... ﴾ [ الأنفال : ٣٠ ] الآية. قوله :« أمْ أَبْرَمُوا » أم منقطعة. والإبرام الإتقان وأصله في الفتل يقال : أَبْرَمَ الحَيْلَ، أي أتْقَنَ فَتْلَهُ وهو الفَتْلُ الثاني، والأول يقال له : سَجِيلٌ قال زهير :

٤٤١٩ لَعَمْرِي لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدتُّمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيلٍ ومُبْرَمِ
قوله تعالى :﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ﴾ السر ما حدث الرجل به نفسه أو غيره في مكان والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم « بَلى نسمع ذلك » و « نَعْلَمُ » رُسُلُنَا « أي الحفظة » لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ « أي يكتبون عليهم جميع أحوالهم.


الصفحة التالية
Icon