[ فصلت : ٥٠ ] أي مالاً بعد فَقْرٍ «. والجمهور على جرها. ونصبها أبو رجاء عطفاً على » كَمْ « أي تركوا كثيراً من كذا، وتركوا نَعْمَةً.
قوله :»
فَاكِهِينَ « العامة على الألف أي طيّيبي الأنفُسِ، أو أصحاب فاكهة كَلاَبنٍ وتَامِرٍ وقيل : فاكهين : لاهِينَ. وقرأ الحسن وأبو رجاء : فَكِهينَ، أي مستخفين مستهزئين بنعمة الله.
قال الجوهري : يقال : فَكِهَ الرَّجُلُ بالكسر فَهُوَ فَكِهٌ، خبراً لمبتدأ مضمرٍ، أي الأمر كذلك. وإليه نحا الزجاج، ويجوز أن تكون منصوبة المحلّ، فقدرها الحَوْفِيُّ أهْلَكْنَا إهلاكاً، وانتقمنا انتقاماً كذلك.
وقال الكلبي : كذلك أفعَل بمن عصا. وقيل : تقديره : يَفْعَلُ فِعْلاً كَذَلِكَ.
وقال أبو البقاء : تَرْكاً كذلك، فجعله نعتاً للتَّرْك المحذوف، وعلى هذه الأوجه كلها يوقف على »
كذلك «، ويبتدأ :» وَأَوْرَثْنَاهَا « ( قَوْماً آخَرِينَ ). ( وقال الزمخشري : الكاف منصوبة على معنى مثل ذلك الأخراج أخرجناهم منها، وأورثنا قَوْماً آخرين )، ليسوا منها يعني بني إسرائيل، فعلى هذا يكون :» وَأَوْرَثْنَاهَا « معطوفاً على تلك الجملة الناصبة للكاف فلا يجوز الوقف على » كَذَلِكَ « حِينئِذٍ.
قوله :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء ﴾ يجوز أن يكون استعارة، كقول الفرزدق :

٤٤٢٦ وَالشَّمْسُ طَالِعةٌ لَيْسَتْ بكَاسِفَةٍ تَبْكِي عَلَيْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ وَالقَمَرَا
وقال جرير :
٤٤٢٧ لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ سُور المَدِينَةِ وَالْجِبَالُ الخُشَّعُ
وقال النابغة :
٤٤٢٨ بَكَى حَارِثُ الجَوْلاَنِ مِنْ فَقْدِ رَبِّهِ وَحَوْرَان مِنْهُ خَاشِعٌ مُتَضَائِلُِ

فصل


روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :»
مَا مِنْ عَبْدٍ إلاَّ وَلَهُ فِي السَّمَاءِ بَابَانِ، بابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِزْقَُه، وبَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ عَمَلُهُ. فَإذَا مَاتَ وَفَقَدَاهُ بَكَيَا عَلَيْهِ «، وتَلاَ هذه الآية، وذلك لأنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملاً صالحاً فتبكي عليه، ولم يكن يصعد لهم إلى السماء كلامٌ طيب، ولا عمل صالح فتبكي عليهم. وقيل : التقدير : فما بكت عليهم أهْلُ السماء والأرض، فحذف المضاف والمعنى : فما بكت عليه الملائكة، ولا المؤمنون بل كانوا لهلاكهم مسرورين.
وقيلأ : إن العادة جرت بأن يقولوا في هلاك الرجل العظيم الشأنِ إنه أظلمت له الدنيا، وكسفت الشمس والقمر لأجله، وبكت السماء والريح والأرض. يريدُونَ المبالغة في تعظيم تلك المصيبة لا نفس هذا الكتاب. وقال الزمخشري : ذكر هذا على سبيل السخرية بهم يعني أنهم كانوا يستعظمون أنفسهم ويعتقدون أنهم لو ماتوا لبكت عليهم السماء والأرض، ولم يكونوا بهذا الحَدِّ، بل كانوا دون ذلك، فذكر هذا تهكماً بهم.
وقال عطاء : بكاء السماء حُمْرَةُ أطرافِهَا. وقال السدي :: لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت عليه السماء وبكاؤها حُمْرَتُها ﴿ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ﴾ أي لما جاء وقت هلاكِهِهم لم ينظروا إلى وقت آخر لتوبةِ وتدارك تقصيرٍ.


الصفحة التالية
Icon