وهذه المسألة ليست جارية على أصول البصريين، ونصّوا على منعها وإنما قال بها من الكوفيين ابْنُ ( سَ ) عْدَانَ.
وقال مَكيّ : وقد قرىء : والسَّلاَسلِ بالخفض على العطف على الأعناق، وهو غلط؛ لأنه يصير الأغلال في الأعناق وفي السلاسل ولا معنى للأغلال في السَّلاَسل؟
قال شهاب الدين : وقوله : على العطف على الأعناق ممنونع بل خفضه على ما تقدم. وقال أيضاً : وقيل : هو معطوف على « الحميم » وهو أيضاً لا يجوز؛ لأن المعطوف المخفوض، لا يتقدم على المعطوف عليه لو قلت :« مَرَرْتُ وَزَيْدٍ بِعَمْرو » لم يجز، وفي المرفوع يجوز، نحو : قَام وَزَيْدٌ عَمْرٌ، ويبعد في المنصوب لا يحسن رأيتُ وَزَيْداً عَمْراً، ولم يُجِزْهُ في المخفوض أحدٌ.
قال شهاب الدين : وظاهر كلامه أنهن يجوز في المرفوع منعه، وقد نصوا أنه لا يجوز إلا ضرورة بثلاثة شروط :
أن لا يقع حرف العطف صدراً، وأن يكون العامل متصرفاً، وأن لا يكون المعطوف عليه مجروراً وأنشدوا :

٤٣٤٩........................ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلاَمُ
إلى غير ذلك من الشواهد مع تنصيصهم على أنه مختص بالضرورة. و « السَّلاَسِلُ » معروفة، قال الراغب :« وتَسَلْسَلَ الشيءُ اضطرب كأنه تُصُوِّر منه تسلسلٌ متردد فتردد لفظه تنبيهاً على تردد معناه. وماء سلسل متردد في مقره ».
والسَّحْبُ : الجر بمعنف، والسَّحابُ من ذلك لأن الريح تَجُرُّوهُ، أو لأنه يجر الماء، وسجرت التَّنُّورَ أي ملأته ناراً وهيجتها، ومنه البحر المسجور، أي المملوء، وقيل : المضطرب ناراً، وقال الشاعر ( رحمة الله عليه ) :
٤٣٥٠ إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورةً تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ والشَّوْحَطَا
فمعشنى قوله تعالى هنا :﴿ ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ ﴾ أي يوقد بهم، كقوله تعالى :﴿ وَقُودُهَا الناس والحجارة ﴾ [ التحريم : ٦ ] والسَّجِيرةُ : الخليلُ الذي يَسْجُرُ في مَوَدَّة خليله، كقولهم : فُلاَنٌ يَحْتَرِقُ فِي مَوَدَّةِ فُلاَنٍ.

فصل


هذه كيفية عقابهم، والمعنى أنه يكون في أعناقهم أغلال وسلاسل ثم يسحبون بتلك السلاسل في الماء المُسَخَّنِ بنار جهنم، ثم تُوقَدُ بهم النار ﴿ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله ﴾ يعني الأصنام ﴿ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا ﴾ أي فقدناهم وغابوا عن عيوننا فلا نراهم، ثم قالوا :﴿ بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً ﴾ أنكروا، كقولهم في سورة الأنعام :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] وقيل : معناه لم نكن ندعو من قبل شيئاً يضر وينفع. وقال الحسين بن الفضل : أي لم نكن نصنع من قبل شيئاً أي ضاعت عبادتنا لها كما يقول من ضاع عمله :« ما كنت أعمل شَيْئاً ».
ثم قال تعالى :﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين ﴾ قال القاضي : معناه أنه يُضِلُّهم عن طريق الجنة، ولا يجوز أن يقال : بضلهم عن الحجة، وقد هداهم في الدنيا، وقال ﴿ يُضِلُّ الله الكافرين ﴾ مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم حتى أنهم لو نطلبوا الآلهة، أو طلبتهم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر.
قوله تعالى :﴿ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ أي ذلكم العذابُ الذي نزل بكم ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ تَبْطُرون وتَأشِرُنَ ﴿ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ تفرحون وتختالون. وقيل : تفرحون من باب التجنيس المحرف، وهو أن يقع الفرق بين اللفظين بحرف.
قوله :﴿ ادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ﴾ أي السبعة المقسومة لكم ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين ﴾ المخصوص بالذم محذوف؛ أي جهنمُ أو مَثْوَاكُمْ، ولم يقل : فبئس مدخل؛ لأن الدخول لا يدوم وإنما يدوم الثّواء، فلذلك خصه بالذم، وإن كان أيضاً مذموماً.


الصفحة التالية
Icon