قوله تعالى :﴿ فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ ﴾ لما زَيَّفَ طريقة المجادلين في آيات الله تعالى أمر في هذه الآية رسوله بأن يصبرَ على أذاهم بسبب جدالهم، ثم قال :﴿ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ ﴾. والمراد ما وعد الرسول نُصْرته، ومن إنزال العذاب على أعدائه.
قوله :﴿ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ﴾ قال الزمخشري : أصله : فَإِن نُرِكَ و « ما » مزيدة لتأكيد معنى الشرط، ولذلك ألحقت النون بالفعل، ألا ترَاك تقول :« إنْ تُكرِمَنِّي أكْرِمْكَ، ولكن إِمَّا تُكْرِمَنِّي أُكْرِمْكَ » قال أبو حيان :« وما ذكره من تَلاَزُمِ النون، ما الزائدة، ليس مذهب سيبويه، إنما هو مذهب المبرد، والزجاج.
ونص سيبويه على التخيير، وقد تقدمت هذه القواعدُ مستوفاةً.
قوله :﴿ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ ليس جواباً للشرط الأول، بل جواباً لما عطف عليه.
وجواب الأول محذوف. ( قال الزمخشري :» فَإِلَيْنَا « متعلق بقوله » نَتَوفَّينَّكَ « وجواب نرينك محذوف ) تقديره : فإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب والقتل يوم بدر، فذاك؛ وإنْ » نَتَوَفَّيَنَّكَ « قبل يوم بدر » فَإِلَيْنَا يُرجَعُونَ « فننتقم منهم أشدُّ الانتقام. وقد تقدم مثلُ هذا في سورة يونس. وبحثُ أبي حَيَّانَ مَعَهُ.
وقال أبو حيان هَهُنَا : وقال : جواب » إما نُرِيَنَّكَ « محذوف؛ لدلالة المعنى عليه أي فتقرّ عينك، ولا يصح أن يكون » فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ « جواباً للمعطوف عليه والمعطوف، لأن تركيبَ » فإما نُرينك بعض الذي نعدهم في حياتك فإلينا يرجعون « ليس بظاهر، وهو يصحُّ أن يكون جواب » أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ « أي فإِلينا يرجعون فننتقم منهم ونعذبهم، لكونهم يَتَّبِعُوكَ.
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ ﴾ [ الزخرف : ٤١ و٤٢ ]. إلا أنه هنا صرح بجواب الشرط، قال شهاب الدين : وَهَذَا بعَيْنِهِ هو قولن الزمخشري. وقرأ السُّلَمِيُّ ويَعْقُوبُ : يَرْجِعُونَ بفتح ياء الغيبة مبنياً للفاعل، وابْنُ مِصْرِفٍ ويعقوبُ أيضاً بفتح الخطاب.
قوله :﴿ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا ﴾ يجوز أن يكون » مِنْهُمْ « صفة » لِرُسُولاً « فيكون » مَنْ قَصَصْنَا « فاعلاً لاعتماده ويجوز أن يكون خبراً مقدماً، و » مَنْ « مبتدأ مؤخر.
ثم في الجملة وجهان :
أحدهما : الوصف » لِرُسُلاً « وهو الظاهر.
والثاني : الاستئناف.
فصل
معنى الآية قال لمحمد ( ﷺ )، أنت كالرسل من قبلك وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين وليس فيهم أحد أعطاه الله آياتٍ ومعجزاتٍ، إلا وقد جادله قومُه فيها وكَذَّبُوه فصبروا، وكانوا أبداً يقترحون على الأنبياء إظاهر المعجزات الزائدة علكى الحاجة عِناداً وعبثاً، ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾، والله تعالى علم الصلاح في إظهار ما أظهروه، فلم يَقْدَحْ ذلك في نُبُوَّتِهِمْ، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحاً لا جَرَمَ ما أظهرناها.