ثم قال :﴿ جَآءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بالحق ﴾ أي فإذا جاء قضاءُ الله بين الأنبياء والأمم قضي بالحق ﴿ وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون ﴾ وهم المعاندون الذين يجادلون في آيات الله فيقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة تعنتاً وعبَثاً.
قوله تعالى :﴿ الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام... ﴾ الآية. لما ذكر الوعيدَ عاد إلى ذِكر ما يدل على وجود الإِلَهِ القَادِرِ الحَكِيمِ، وإلى ذكر ما يصلح أن يعد إنعاماً على العباد.
قال الزجاج :« الأَنْعَامُ الإِبل ( خاصة ) َ »، وقال القاضي : هي الأزواج الثمانية. وقوله :« مِنْهَا.... وَمِنْهَا ».
« من » الأولى يجوز أن تكونَ لِلتَّبْعِيض، إذ ليس كُلُّها تُرْكَبُ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية إذ المرادُ بالأنعام شيءٌ خاصٌّ هي الإبل، قال الزجاج : لأنه لم يُعْهد المركوبُ غيرها «.
وأما الثانية فكالأولى. وقال ابن عطية : هي لبيان الجنس قال : لأن الخيل منها ولا تُؤْكَلُ.
فإن قيل : ما السَّبَبُ في إدخال لام العِوَض على قوله :»
لِتَرْكَبُوا « وعلى قوله :» لِتَبْلُغُوا « ولم يدخل على البَوَاقِي؟.
فالجواب : قال الزمخشري : الركوب في الحج والغزو إما أن يكون واجباً أو مندوباً، وأيضاً ركوبها لأجل حاجتهم، وهي الانتقال من بلدٍ إلى بلد آخر لطلب علم أو إقامة دين يكون إما واجباً أو مندوباً فهذان القسمان أغراض دينيةٍ، فلا جَرَمَ أدخل عليها حرف التعليل نظيره قوله تعالى :﴿ والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [ النحل : ٨ ] فأدخل حرف التعليل على »
الرُّكُوبِ « ولم يدخله على الزِّينَةِ.
قوله ﴿ لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا ﴾ أي بعضها ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ﴾ أي في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها ﴿ وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ﴾ لحمل أثقالكم من بلد إلى بلد. قوله :﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ ﴾ أي على الإبل في البرِّ، وعلى السفن في البَحْرِ.
فإن قيل : لِمَ لَمْ يقل : في الفلك، كما قال :﴿ قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين ﴾ [ هود : ٤٠ ] ؟.
فالجواب : كلمة على للاستِعْلاَء، فالشيء يُوضَع على الفلك كما صح أن يقال : وضع فيه صح أن يقال : وضع عليه ولما صح الوجهان كانت لفظةُ »
عَلَى « أولى حتى يتم المزاوجة في قوله :﴿ وعليها وعلى الفلك تحملون ﴾.
وقال بعضم : إن لفظة »
فِي « هناك ألْيَقُ؛ لأن سفينة نُوحٍ على ما قيل كانت مُطْبِقَةً عليهم وهي محيطة بهم كالوعاء، وأما غيرها فالاستعلاء فيه واضح، لان الناس على ظهرها.
قوله :﴿ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ دلائل قدرته، وقوله :﴿ فَأَيَّ آيَاتِ الله ﴾ منصوب ب »
تُنْكِرُونَ « وقدم وجوباً لأن له صدر الكلام. قال مكيّ : ولو كان مع الفعل هاءٌ لكان الاختيار الرفع في أي بخلافِ ألف الاستفهام تدخل على الاسم، وبعدها فعلٌ واقعٌ على ضمير الاسم فالاختيار النصب نحو قولك : أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ، هذا مذهب سيبويه فرق بين الألف وبين » أي « يعني أنك إذا قُلْت : أَيّهُمْ ضَرَبْتَ؟ كان الاختيار الرفع؛ لأنه لا يُحْوجُ إلى إضمار مع أن الاستفهام موجود وفي » « أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ » يختار النصب لأجل الاستفهام فكان مقتضاه اختيار النصب أيضاً فيما إذا كان الاستفهام بنفس الاسم، والفرقب عَسِرٌ.


الصفحة التالية
Icon