فصل


قال الواحدي : وأصل الحور البَيَاض، والتَّحْوير التبييض، وقد تقدم في تفسير الحَوَارِيِّينَ. وعين حوراء إذا اشتدَّ بَيَاضُ بَيَاضِهَا، واشْتَدَّ سَوَادُ سَوَادِهَا، ولا تسمى المرأة حَوْرَاءَ حتى يكون حَوَرُ عَيْنَيْهَا بَيْضَاء في لَوْن الجَسَد. وأما العِينشُ فجمع عَيْنَاءَ، وهي التي تكون عظيمةً العَيْنَيْنِ من النِّسَاء وَاسِعَتَهُمَا.
قوله :« يَدْعُونَ فِيهَا » حال من مفعول « زَوَّجْنَاهُمْ » ومفعوله محذوف، أي يدعون الخَدَمَ بكُلّ فَاكِهَةٍ وقوله :« آمِنِينَ » يجوز أن تكون حَالاً ثانيةً، وأن تكون حالاً من فالع « يَدْعُونَ » فتكون حالاً مُتَدَاخِلَةً ومعنى « آمنين » أي من نِفَارِهَا ومِنْ « مَ » ضَرَّتِهَا.
وقال قتادة : آمنين من الموت، والأوْصَاب، والشَّيْطَان.
قوله :« لاَ يَذُوقُونَ » يجوز أن يكون حالاً من الضمير في « آمِنِينَ » وأن يكون حالاً ثالثةً أو ثانيةً من مفعول « وزَوَّجْنَاهُمْ »، و « آمِنينَ » حال من فاعل « يَدْعُونَ » كما تقدم، أو صفة « لآمِنينَ » أو مستأنف. وقرأ عَمرُو بنُ عُبَيْد : لاَ يُذَاقُونَ مبنياً للمفعول.
قوله :« إلاَّ المَوْتَة الأُوْلَى » فيه أوجه :
أحدها : أنه استثناء منقطع، أي لكن المَوْتَةَ الأُولى، قَدْ ذَاقُوهَا.
الثاني : أنه متصل، وتأولوه بأن المؤمن عند موته في الدنيا يُرَى منزلته في الجنة لمعاينة ما يُعْطَاه منها أولما يتيقنه من نعيمها.
الثالث : أن « إلاَّ » بمعنى سوى. نقله الطبري وضَعَّفَهُ.
قال ابن عطية : وليس تضعيفه بصحيح، بل هو كونها بمعنى سوى مستقيم منتسق.
الرابع : أن « إلاّ » بمعنى « بَعْدَ »، واختاره الطبري. وأباهُ الجمهور، لأن إلاَّ بمعنى بَعْدَ لم يَثْبتُ.
وقال الزمخشري : فَإِن قلتَ : كيف استثنيت الموتةَ الأولى المَذُوقَةَ قبل دخول الجنة من الموت المنفي ذوقه منها؟
قُلْتُ : أريدَ أن يُقَالَ : لا يذقون فيها الموت البتة، فوضع قوله :﴿ إِلاَّ الموتة الأولى ﴾ موضع « ذَلِكَ »، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل : إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذَوْقُهَا في المستقبل؛ فإنهم يذُوقُونَها في الجنَّة.
قالال شهاب الدين : وهذا عند علماء البيان يسمى نَفي الشيء بدليله ومثله قولن النَّابغة :
٤٤٣٢ وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتائِبِ
يعني إن كان أحد يعند فُلُول السيوف من قراع الكتائب عيباً، فهذا عيبهم لكن عَدّهُ من العيوب محال فانتفى عنه العيب بدليل تعليق الأمر على المُحَال.
وقال ابن عطية بعد ما حكاه عن الطبري : فتبين أنه فنى عنهم ذَوْقَ الموت، وأنه لا ينالهم من ذلك غير ما تقدم في الدنيا. يعني أنه كلامٌ محمول على مَعْنَاه.
وقال ابن الخطيب : إن من جرب شيئاً ووقف عليه وصح أن يقال : إنه ذَاَقَهُ، وإذا صح أن يسمى ذَلِكَ العلمُ بالذوق صح أن يسمى تذكره أيضاً بالذوق.


الصفحة التالية
Icon