قوله تعالى :﴿ هذا بَصَائِرُ ﴾ أي هذا القرآن، جمع خَبَرُهُ باعتبار ما فيه. وقرىء :« هَذِه » رجوعاً إلى الآيات ولأن القرآن بمعناها كقوله :
٤٤٤٤....................... | سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ؟ |
قوله :« أَمْ حَسِبَ » أم منقطعة فتقدر ببل والهمزة أو ببل وحدها، أو بالهمزة وَحْدَاها وتقدم تحقيق هذا.
قوله :« كَالَّذِينَ آمَنُوا » هنو المفعول الثاني للجَعْل، أي أن نَجْعَلَهُمْ كائنين كالذين آمنوا أي لا يحسبون ذلك. وَقَدْ تقدم في سورة الحج أنَّ الأخَوَيْنِ وحفصاً قرأوا هنا : سَوَاءً بالنصب والباقون بالرفع. وتقدم الوعد عليه بالكلام هنا فنقول : أما قراءة النصب ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن ينتصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهما :« كَالَّذِينَ آمَنُوا » ويكون المفعول الثاني للجعل « كالذين آمنوا » أي أحسبواأنْ نَجْعَلَهُم مثلهم في حال استواء مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتِهِمْ؟ ليس الأمر كذلك.
الثاني : أن يكون « سواءً » هو المفعول للجَعْل. و « كَالَّذِينَ » في محل نصب على الحال، أي أن نجعلهم حال كونهم مِثْلَهم سواءً. وليس معناه بذاك.
الثالث : أن يكون « سواه » مفعولاً ثانياً « لحسب ». وهذا الوجه نحا إليه أبو البقاء.
قال شهاب الدين : وأظنه غلطاً؛ لما سيظهر لك، فإنه قال : ويقرأ بالنصب وفيه وجهان :
أحدهما : هو حال من الضمير في « الكاف » أي نجعلهم مثل المؤمنين في هذه الحال.
الثاني : أن يكون مفعولاً ثانياً لحسب والكاف حال، وقد دخل استواء محياهم ومماتهم في الحِسْبان وعلى هذا الوجه ﴿ مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ مرفوعان ( بسواء } لأنه قد قَوِيَ باعتماده انتهى.
فقد صرح بأنه مفعول ثاني للحسبان، وهذا لا يصح ألبتّة، لأن « حسب » وأخواتها إذا وقع بعدها « أَنَّ : المشددة و » أَنْ « المخففة أو الناصبة سَدَّت مسدَّ المفعولين، وهنا قد وقع بعد الحسبان » أَنْ « الناصبة، فهي سادّة مسدَّ المفعولين فمِنْ أين يكون » سواءًَ « مفعولاً ثانياً لحسب؟!
فإن قلت : هذا الذي قلته رأي الجمهور، سيبويه وغيره، وأما غيرهم كالأخفش فيدَّعي أنها تسد مسدّ واحدٍ. وإذا تقرر هذا فقد يجوز أن أبا البقاء ذهب المذهب فأَعْرَبَ » أنْ نَجْعَلَهُمْ « مفعولاً أول ( ل » حَسِبَ « ) و » سَوَاءً « مفعولاً ثانياً.
فالجواب : أن الأخفش صرح بأن المفعول الثاني حينئذ يكون محذوفاً، ولئن سلمنا أنه لا يحذف امتنع من وجه آخر وهو أنه قد رفع به ( مُحياهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) لأنه بمعنى مستو كما تقدم، ولا ضمير يرجع من مرفوعه إلى المفعول الأول بل رفع أجنبيًّا من المعفول لأول وهو نظير : حَسِبْتُ قِيَامَكَ مُسْتَوِياً ذهابك وعدمه.