وقرىء « آلِهَتَهُ » هواه، لأنه كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه والمعنى اتخذ معبوده هواه، فيعبد ما تهواه نفسه. قال سعيد بن جبير : كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة فإذا وجدوا شيئاً أحسن من الأول رَموه وكسروه وعبدوا الآخر. قال الشعبي : إنما سمي الهوى لأنه يَهوِي بصاحبه في النار. قوله :« عَلَى عِلْمٍ » حال من الجلالة أي كَائِناً عَلَى عِلْمٍ منه يعاقبة أمره أنه أهل لذلك.
وقيل : حال من المفعول، أي أضله وهو عالم، وهذا أشنع لَهُ. وقرأ الأَعرجُ : آلِهَةً على الجمع، وعنه كذلك مضافة لضميره آلهته هواه.
قوله :﴿ وختم على سمعه وقلبه ﴾ يسمع الهوى وقلبه لم يعقل الهدى وهو المراد من قوله :﴿ خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ [ البقرة : ٧ ] وقد تقدم.
قوله :« غشاوة » قرأ الأخوان غَشْوَةً بفتح الغين، وسكون الشين. والأعمش وابن مِصْرف كذلك إلا أنهما كسرا الغين. وباقي السبعة غِشاوة بكسر الغين. وابن مسعود والأعمش أيضاً بفتحها وهي لغة ربيعة والحسن وعكرمة. وعبدالله أيضاً بضمها، وهي لغة محكيَّة وتقدم الكلام في ذلك في أول سورة البقرة، وأنه قرىء هناك بالعَيْن المُهْملة.
قوله :﴿ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله ﴾ أي من بعد إضلال الله إياه. وقال الواحدي : ليس يبقى لِلْقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة؛ لأن الله تعالى صرح منعه إياهم عن الهدى بعد أن أخبر أنه ختم على سمع هذا الكافر وقلبه وبصره. ثم قال :﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ قرأ العامة بالتشديد، والجَحْدريّ بتخفيفها والأعمش تتذكرون بتاءين.
قوله :﴿ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا ﴾ تقدم نظيره. وقرأ زيد بن على نُحْيَا بضم النون.
فإن قيل : الحياة متقدمة على الموت في الدنيا فمنكر القيامة كان يجب أن يقول : نحيا ونموت، فما السبب في تقديم ذكر الموت على الحياة؟
فالجواب : من وجوه :
الأول : المراد بقوله :« نموت » حال كونهم نُطَفاً في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات وبقوله :« نحيا » ما حصل بعد ذلك في الدنيا.
الثاني : نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا.
الثالث : قال الزّجاج : الواو للاجتماع والمعنى : يموت بعضٌ ويحيا بعضٌ.
الرابع : قال ابن الخطيب : إنَّه تعالى قدم ذكر الحياة فقال :﴿ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا ﴾ ثم قال بعده :﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ يعن أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا ومنها ما لم يطرأ عليه الموت بعد، وذلك في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد.
قوله :﴿ وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر ﴾ أي وما يُفنينا إلا مرُّ الزمان، وطول العمر، واختلافُ الليل والنهار ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ ﴾ الذي قالوه ﴿ مِنْ عِلْمٍ ﴾ أي لم يقولوه عن علم عَلِموه ﴿ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾.