قوله تعالى :﴿ واذكر أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف... ﴾ الآية لما ذكر دلائل النبوة والتوحيد وكان أهل مكة بسبب استغراقهم في لذات الدنيا أعرضوا عنها ولم يلتفتوا إليها لهذا السبب قال تعالى في حقهم :﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ] فلما كان الأمر كذلك بين أن قوم عاد كانوا أكثر أموالاً وقوةً وجاهاً، ثم إن الله تعالى سلَّط عليهم العذاب بكفرهم وذكر قصتهم ليعتبر بها أهل مكة فيتركوا الاغترار بما وجدوه في الدنيا ويقبلوا على طلب الدين الحق فقال :« وَاذْكُرْ يا محمد لقومك أَخَا عَادٍ » أي هوداً ﷺ.
قوله :﴿ إِذْ أَنذَرَ ﴾ بدل من « أخا » بدل اشتمال وتقدم تحقيقه. وقوله ﴿ بالأحقاف ﴾ هي جمع حِقْفٍ وهو الرمل المستطيل المعوجُّ ومنه احْقَوْقَفَ الهِلاَلُ، قال امرؤ القيس :
٤٤٥٤ فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى | بِنَا بَطْنُ حقْفٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ |
قوله :﴿ وَقَدْ خَلَتِ ﴾ يجوز أن يكون حالاً من الفاعل، أو من المفعول والرابط الواو، والنُّذُر جمع نَذِيرٍ ويجوز أن يكون معترضة بين « أَنْذَرَ » وبين « أَنْ لا تَعْبُدُوا » أي أنذرهم بأن لا.
وقوله :﴿ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ أي مضت الرسل من قبل هود ومن خلفه أي بعده. ( والمعنى أعلمهم أن الرسل الذي بعثوا قبله والذين يبعثون ) بعده كلهم منذرون نحو إنذاره.
فصل
قال المفسرون : إن هُوداً ﷺ كان قد أنذرهم وقال : أن لا تعبدوا إلا الله إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم العذاب قالوا جئتنا لتأفكنا « أي لتصرفنا » عَنْ آلِهَتِنَا أي عن عِبَادَتِهَا، والإفْكُ الصَّرْفُ، يقالُ : أَفِكَهُ عَنْ رَأيهِ إذا صَرَفَهُ عنه. وقيل : المراد لتلفتنا بالكذب. ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾ من معاجلة العذاب على الكفر ﴿ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين ﴾ في وعدك أن العذاب نازل بنا قال هود : إنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وهو يعلم متى يأتيكم العذاب ﴿ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ ﴾ من الوحي والتحذير من العذاب، فأما العلم بوقته فما أوحاه إليَّ ﴿ ولكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ﴾ وهذا يحتمل أ، المراد أنكم لا تعلمون أن الرسل لم يبعثوا مقترحين ولا سائلين عن غير ما أُذِنَ لهم فيه وإنما بعثوا مبلغين.