وفي « إنْ » ثلاثة أوجه :
أحدها : شرطية، وجوابها محذوف والجملة الشرطية صلة ما، والتقدير : في الَّذي إنْ مَكَّنَّاكُمْ فيه طَغَيْتُمْ.
والثاني : أنها مزيدة تشبيهاً للموصولة بما النافية والتوقيتية، وهو كقوله :
٤٤٥٨ يُرَجِّي الْمَرْء مَا إنْ لاَ يَرَاهُ | وَتَعْرِضُ دُونَ أَدْنَاهُ الخُطُوبُ |
٤٤٥٩ لَعْمُرَكَ ما ما بانَ مِنْكَ لَضَارِبٌ | .............................. |
فصل
معنى الآية مكناهم فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطولِ العمر، وكَثْرةِ ا لمال ثم إنهم مع زيادة القُوَّة ما نَجَوْا من عذاب الله تعالى فكيف يكون حالكم؟ ثم قال :﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً ﴾ أي فتحنا عليهم أبواب النعم وأعطيناهم سمْعاً، فما استعملوه في سَمَاع الدلائل وأعطيناهم أبصاراً فما استعملوها في دلائل ملكوت السموات والأرض، وأعطيناهم أفئدة فما استعملوها في طلب معرفة الله تعالى بل صرفوا كل هذه القُوَى إلى طلب الدنيا ولذاتها فلا جَرَمَ ما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من عذاب الله تعالى.
قوله :﴿ فَمَآ أغنى ﴾ يجوز أن يكون « ما » نفياً وهو الظاهر. أو استفهاماً للتقرير.
واستبعده أبو حيان لأجل قوله :﴿ مِّن شَيْءٍ ﴾ قال : إذ يصير التقدير أي شيء أعنى عنهم من شيء؟ فزاد « من » فِي الوَاجِبِ، وهو لا يجوز على الصحيح.
قال شهاب الدين : قالوا يجوز زيادتها في غير المُوجب. وفسروا غير الموجب بالنفي والنهي والاستفهام وهذا استفهام.
قوله :﴿ إِذْ كَانُواْ ﴾ معمول ل « أغْنى » وِهيَ مُشْربة معنى التعليل، أي لأنهم كانوا يجحدون فهو كقوله ضَرَبْتُهُ إذْ أَسَاءَ، أي ضربته لأنه أساء. وفي هذه الآية تخويف لأهل مكة. ثم قال :﴿ وَحَاقَ بِه مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ يعني أنهم كانوا يطلبون نزول العذاب على سبل الاسْتِهْزَاء.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ القرى ﴾ يا كفار مكة كحِجْر ثَمُود وعاد باليمن وأرض سدوم ونحوها بالشام ﴿ وَصَرَّفْنَا الآيات ﴾ الحُجج بيناها لهم لعل أهل القرى يرجعون. قال الجبائي : قوله :﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ معناه لكي يرجعوا عن كفرهم وذلك يدل على أنه تعالى أراد رجوعهم ولم يرد إصرارهم وأجيب : بأنه فصل ما لو فعله غيره لكان ذلك لأجل الإرادة المذكورة وإنَّما ذهبنا إلى هذا التأويل للدلائل الدالة على أنه تعالى مريد لجميعِ الكائنات.
قوله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً آلِهَةَ ﴾ القُرْبَانُ ما تُقُرِّب به إلى الله.