وقرأ عيسى، وزيد بن علي « قَادِرٌ » بغير ياء.
قوله :« بلى » إيجاب لما تضمنه الكلام من النفي في قوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ على النار ﴾ فيقال لهم : أَلْيسَ هَذا بالْحَقِّ قَالُوا بَلَى فقوله : أليس هذا معمول لقول مضمر هو حال كما تقدم في نظيره. والمقصود من هذا الاستفهام التهكم والتوبيخ على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده. فيقال لهم ﴿ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل ﴾ الفاء في قوله « فَاصْبِر » عاطفة هذه الجملة على ما تقدم، والسببية فيها ظاهرة. واعلم أنه تعالى لما قرر المَطَالِبَ الثَّلاثَة وهي التوحيد والنبوة وأجاب عن الشبهات أردفه بما يجري مجرى الوعظ والنصيحة للرسول ﷺ وذلك لأن كانوا يؤذونه ويُوجِسُون صدره فقال تعالى :﴿ فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم ﴾ أي أُولو الجِدِّ والصَّبْر والثَّبَات وقال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أولو الحَزْم.
قوله :﴿ مِنَ الرسل ﴾ يجوز أن تكون من تبعيضية، وعلى هذا فالرُّسُلُ أَولُو عَزْم وَغيرُ أُولِي عَزْمٍ. ويجوز أن يكون للبيان فكلهم على هذا أُولو عَزْم. قال ابن زيد : كُلّ الرُّسُلِ كانوا أولى عزم ولم يبعث الله نبياً إلا كان ذَا عَزْم وحَزْمٍ، ورأي وكمال عقل. وإنما دخلت مِنْ للتَّجْنِيس لا للتبعيض كما يقال اشتريت ( أكسية ) من الخَزِّ وأَرْدِيَةً من البزّ. وقيل : الأنبياء كلهم أولو العزم إلا يُونُسَ لعجلة كانت منه، ألا ترى أنه قيل للنبي ﷺ :﴿ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت ﴾ [ القلم : ٤٨ ] وقيل هم نُجَبَاء الرسل، وهم المذكورون في سورة الأنعام، وهم ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لقوله بعد ذكرهم :« أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ فبهداهُم اقْتَدِهْ ». وقال الكلبي : هم الذين أمروا بالجهاد، وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين وقيل : هم ستة : نوحٌ وهودٌ، وصالحٌ، ولوطُ، وشعيبٌ، ومُوسَى، وهم المذكورون على النَّسقِ في سورة الأعْراف والشُّعَرَاءِ.
وقال مقاتل : هم ستة، نوح صبر على أذى قومه، كانوا يضربونه حتى يُغْشَى عَلَيْه، وإبراهيم صَبَرَ على النار وذبْح الوَلَد، وإسحاق صبر على الذبح، ويعقوب، صبر على فَقْد ولده، وذَهَابِ بصره، ويوسفُ صبر في الجُبِّ والسِّجْن، وأيوبُ صبر على الضُرِّ.
وقال ابن عباس وقتادة : هم نوح، وإبراهيم، وموسى وعيسى أصحاب الشرائع، فهم مع مُحَمَّد خمسة. وقال البغوي : ذكرهم الله على التخصيص في قوله :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ ﴾ [ الأحزاب : ٧ ] وفي قوله :﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً ﴾ [ الشورى : ١٣ ] الآية روي أن النبي ﷺ قال لعائشة : يا عائشةُ إن الله لم يرض لاولي العزم إلا بالصّبر على مكروهها، والصبر على محبوبها لم يرضَ إلا ان كلفني ما كلفهم قال :﴿ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ﴾، وإني والله لا بدّ لي من طاعة، والله لأصبرنَّ كما صَبَرُوا وأَجْهَدَنَّ ولا قوة إلا بالله.