قوله :﴿ والنار مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ يجوز أن تكون هذه الجملة استئنافاً. ويجوز أن تكون حالاً، ولكنها مقدرة أي يأكلون مقدار ثَوْيتهم في النار. وقال في حق المؤمن :﴿ إِنَّ الله يُدْخِلُ ﴾ بصيغة الوعد، وقال في حق الكافر :﴿ النار مثوى لهم ﴾ بصغية تنبىء عن الاستحقاق، لأن الإحسان لا يستدعي استحقاقاً، فالمحسن إلى من يوجد منه ما يوجب الإحسان كريم. والمعذب من غير استحقاق ظالم.
قوله :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ ﴾ يريد أهل، ولذلك راعى هذا المقدر في قوله :﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ بعدما راعى المضاف في قوله :﴿ هِيَ أَشَدُّ ﴾ والجملة من هي ابتداء صفة لقرية. وقال ابن عطية : نسب الإخراج للقرية حملاً على اللفظ وقال :« أهلكناهم » حملاً على المعنى. قال أبو حيان : وظاهر هذا الكلام لا يَصِحّ لأن الضمير في « أهلكناهم » ليس عائداً على المضاف إلى القرية التي أسند إليه الإخراج بل على أهل القرية في قوله :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ ﴾ فإن كان أراد بقوله :« حملاً على المعنى »، أي معنى القرية في قوله :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ ﴾ فهو صحيح، لكن ظاهر قوله : حملاً على اللفظ، وحملاً على المعنى أن يكون في مدلول واحد. وكان على هذا يبقى كأين مفلتاً غير محدَّث عنه بشيء إلا أن يتخيَّل أن ﴿ هِيَ أَشَدُّ ﴾ خبر عنه والظاهر أنه صفة لقرية. قال شهاب الدين : وابنُ عطية إنما أراد لفظ القرية من حيث الجملة لا من حيث التفسير.

فصل


لما ضرب الله لهم مثلاً بقوله :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض ﴾، ولم ينفعهم مع ما تقدم من الدلائل، ضرب للنبي ﷺ مثلاً تسلية له فقال :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ ﴾ أي أخرجك أهلها، قال ابن عباس : كان رجالهم أشد من أهل مكة، يدل عليه قوله :﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ ولم يقل :« أهلكناها » فلا ناصر لهم كذلك يفعل بهم، فاصبر كما صبر رسلهم.
وقوله :﴿ فلا ناصر لهم ﴾ قال الزمخشري ( كيف ) قال ﴿ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ ( مع ) أن الإهلاك ماضٍ وقوله :﴿ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ للحال والاستقبال محمول على الحكاية، والحكاية كالحال الحاضر، ويحتمل أن يقال : قوله :﴿ فلا ناصر لهم ﴾ عائد على أهل قرية محمد ﷺ كأنه قال : أهلكنا من تقدم من أهل دينك ولا ناصر لأهل قريتك ينصرهم ويُخلِّصهُمْ مِنْ مِثْلِ ما جرى على الأولين.

فصل


قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) : لما خرج رسول الله ﷺ من مكة إلى الغار التفت إلى مكة، وقال : أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إلَيَّ، ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك. فأنزل الله هذه الآية.
قوله :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ أفمن كان مبتدأ والخبر ﴿ كَمَن زُيِّنَ لَهُ ﴾ وحمل على لفظ « مَنْ » فأفرد في قوله :« سوء عمله »، وعلى المعنى فجمع في قوله :﴿ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾. ( والجملة من « اتبعوا أهواءهم » عطف على « زين » ؛ فهو صلة.

فصل


معنى قوله :« أفمن كان على بينة من ربه » أي يقين من دينه، يريد محمداً والمؤمنين، كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ) يعني عبدة الأوثان، يريد أبا جهل والمشركين.


الصفحة التالية
Icon