واعلم أن المؤمن كان ينتظرم نزول الأحكام والتكاليف ويطلب تنزيلها وإذا تأخرت عنه التكليف كان يقول : هلا أمرت بشيء من العبادة خوفاً من أن لا يؤهل لها. وأما المنافق فإذا أنزلت السورة أو الآية وفيها تكليف فيشق عليه ذلك فحصل التَّبَايُن بين الفريقين في العلم والعمل.
والمراد بالسورة التي فيها تكليف؟. وقوله :« مُحْكَمَةُ » أي لم تنسخ، وقال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين.
قوله :﴿ رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ يعنى المنافقين ﴿ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ ﴾ شَزْراً بتحديقٍ شديدٍ كراهِيةً منهم للجهاد، وجبناً عن لقاء العدوِّ.
قوله :﴿ نَظَرَ المغشي ﴾ الأصل نَظَراً مثل نَظَراً مثل نَظَر المَغْشِيِّ عليه من الموت كما ينظر الشاخص بصره عنْد الموت.
قوله :﴿ فأولى لَهُمْ طَاعَةٌ ﴾. اختلف اللّغويون وةالمُعْرِبُونَ ( رَحِمَهُ اللهِ عَلَيْهِمْ ) في هذه اللفظة فقال الأصمعي ( رَحمهُ الله ) : إنها فعل ماضٍ بمعنى قاربه ما يهلكه، وأنشد ( رَحمهُ اللهُ ) :
٤٤٧٤ فَعَادَى بَيْنَ هَادِيَتَيْنِ مِنْهَا | وَأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ عَلى الثَّلاَثِ |
قال ثعلب : لم يقل أحدٌ في أوْلَى أحسنت من الأصمعيِّ. وقال البغوي : معناه وَلِيَكَ وَقَرَبَك ما تكره ولكن الأكثرين على أنه اسم. ثم اختلف هؤلاء فقيل هو مشتق من الوَلْي وهو القريب كقوله :
٤٤٧٥ تُكَلِّفُنِي لَيْلَى وَقَدْ شَطَّ وَلْيُهَا | وَعَادَتْ عَوَادٍ بَيْنَنا وَخُطُوبُ |
٤٤٧٦ فَأَوْلَى ثُمَّ أَولَى ثُمَّ أَوْلَى | وَهَلْ لِلدَّرِّ يُحْلَبُ مِنْ مَرَدِّ |
٤٤٧٧ فَلَوْ كَانَ أَوْلَى يُطْعِمُ الْقَوْمَ صِدْتُهُمْ | وَلَكِنْ أَوْلَى يَتْرُكُ الْقَوْمَ جُوَّعَا |
وأما الإعراب فإن قلنا بقول الجمهور ففيه أوجه :
أحدهما : أن « أولى » مبتدأ ( و ) « لهم » خبره تقديره : فالهلاك لهم. وسوغ الابتداء بالنكرة كونهُ دُعَاء نحو :﴿ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾ [ الهمزة : ١ ].
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره : العِقَابُ أو الهَلاك أَوْلَى لهم. أي أقرب واَدْنَى. وقال ابنُ الخطيب : التقدير : فالموت أولى لهم؛ لأنَّ الموت سبق ذكره في قوله :﴿ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت ﴾، وذلك أن الحياة في طاعة الله ورسوله خير منها. ويجوز أن تكون اللام بمعنى الباء أي أولى وأحق بِهِمْ.
الثالث : أنه مبتدأ و « لهم » متعلق به، واللام بمعنى الباء. و « طاعة » خبره التقدير : أولى بهم طاعة دون غيرها.
وإن قلنا بقول الأصمعي فيكون فعلاً ماضياً، وفاعله مضمر يدل عليه السِّيَاق، كأنه قيل : فأولى هو أي الهلاك.