﴿ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ].
فالجواب : معناه كرهوا ما فيه رضى الله. وفيه قوله :﴿ مَآ أَسْخَطَ الله ﴾ ولم يقل :« ما أرضى الله » لطيفة وهي أن رحمة الله سابقة، فله رحمة ثانية وهي منشأ الرضوان وغضب الله متأخر، فهو يكون على ذبن، فقال « رضوانه » لأنه من وصف ثابت لله سابق. ولم يقل « سَخِطَ الله » بل قال « أَسْخَطَ » إشارة إلى أن السخط ليس ثبوته كثبوت الرضوان ولهذا المعنى قال في اللَّعَان في حق المرأة :﴿ والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الصادقين ﴾ [ النور : ٩ ] يقال : غضب الله مضافاً لأن لعانه قد سبق فظهر الزنا بقوله وإيمانه وقبله لم يكن غضب فرضوان الله أمر يكون منه الفعل وغضب الله أمر يكون من فعله.
قوله :« فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ » حيث لم يطلبوا رضا الله وإنما طلبوا رِضَا الشيطان والأصنام. قوله :﴿ أَمْ حَسِبَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ يعني المنافقين و « أم » تستدعي جملة أخرى استفهامية يقال : أَزيدٌ فِي الدَّارِ أَمْ عَمْرٌو وإذا كانت منقطعة لا تستدعي ذلك؛ يقال : إنَّ هذا لزيدٍ أم عمرو وكما يقال : بل عمرو. والمفسرون على أنها مقطعة. ويحتمل أن يقال : إنها استفهامية والسابق مفهوم من قوله تعالى :﴿ والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ﴾. وكأنه تعالى قال :( أم ) حسب الذين كفروا وأن لم يعلم الله إسرارهم أم حسب المنافقون أن لن يظهرها. والكل فاسد فإنما يعلمها ويظهرها.
قوله :﴿ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ ﴾ الإخراد بمعنى الإظهار، أي لن يظهر أحقادهم و « أن » هذه مخففة. و « لن » وما بعدها خبرها واسمها ضمير الشأن. والأَضْغَانُ جمع ضغْنٍ وهي الأَحْقَادُ والضَّغِينَةُ كذلك. قال ( رحمه الله ) :

٤٤٨٠ وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ الوُدَّ عَنْهُ وَكُنْتُ عَلَى إِسَاءَتِهِ مُقِيتَا
وقال عمرو بن كلثوم :
٤٤٨١ وَإِنَّ الضِّغْنَ بَعْدَ الضَّغْنِ يَعْسُو عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا
وقيلأ : الضغن العداوة وأنشد :
٤٤٨٢ قُلْ لابْنِ هِنْدٍ مَا أَرَدْتَ بِمَنْطِقٍ سَاءَ الصَّدِيقَ وَشَيَّدَ الأَضْغَانَا
يقال : ضَغِنَ بالكسر يَضْغَنُ بالفتح وقد ضَغِنتَ عليه وأضْغَنَ القَوْمُ وتَضَاغَنُوا.
وأصل المادة من الألتواء في قوائم الدّابة والقناة، قال ( رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ) :
٤٤٨٣ إنَّ قَنَاتِي مِنْ صَليباتِ القَنَا مَا زَادَهَا التَّثْقِيفُ إِلاَّ ضَغَنَا
وقال آخر :
٤٤٨٤......................... كَذَاتِ الضَّغْنِ تَمْشِي فِي الرِّقَاقِ
والاضطغَانُ الاحتواء على الشيء أيضاً ومنه قولهم : اضطَغَنْتُ الصَّبِيَّ إِذَا احتضنته وأنشد :
٤٤٨٥ كَأَنَّه مُضْطَغِنٌ صَبِيًّا... وقال الآخر :
٤٤٨٦ وما اضطَغَنْتُ سِلاَحِي عِنْدَ مَعْرَكِهَا ...........................
وفرسٌ ضَاغِنٌ لا يجري إِلاَّ بالضَّرْبِ.

فصل


قال المفسون : أضغانهم أحقادهم على المؤمنين فيُبْدِيها حتى تعرفوا نفاقهم. وقال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أضغانهم حَسَدَهُمْ.
قوله :﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ ﴾ من رؤية البصر؛ وجاء على الأفصح من اتصال الضميرين ولو جاء على أرينك إياهم جاز. وقال ابن الخطيب : الإرَاءَةُ هنا بمعنى التعريف.


الصفحة التالية
Icon