قوله :« فَلَعَرَفْتَهُمْ » عطف على جواب « لو » وقوله :« وَلَتَعْرفنَّهُمْ » جواب قسم محذوف.
قال المفسرون : معنى الكلام : لأريناكهم أي لأعلمناكهم وعَرَّفْنَاكَهُمْ فَلَتَعْرِفَنَّهُمْ بِسِيماهُمْ : بعلامتهم. قال الزجاج : المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها. قال « أنس » : فأخفي على رسول الله ﷺ بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم.
قوله :﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول ﴾ أي في معناه ومقصده. واللحن يقال باعتبارين :
أحدهما : الكناية بالكلام حتى لا يفهمه غير مخاطبك. ومنه قول القَتَّال الكِلاَبي ( رحمه الله ) في حكاية له :

٤٤٨٧ وَلَقَدْ وَحَيْتُ لكيْمَا تَفَهْمُوا وَلَحَنْتُ لَحْناً لَيْسَ بِالْمُرْتَابِ
وقال آخر :
٤٤٨٨ وَمَنْطِقٌ صَائِبٌ وَتَلْحَن أحْيَاناً وَخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنَا
واللَّحْنُ : صرف الكلام من الإعراب إلى الخطأ. وقيل يجمعه هو والأول صرف الكلام عن وجهه. يقال من الأول : لَحَنْتُ بفتح الحاء أَلْحَنُ له فَأَنَا لاَجِنٌ. وأَلْحَنْتُ الكَلاَمَ أَفْهَمْتُهُ إياه فَلحِنَهُ بالكسر أي فهمه فهو لاحن. ومنه قول النبي ﷺ :« وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ».
ويقال من الثاني : لَحِنَ بالكسر إذا لم يُعْرب لهو لَحِنٌ.

فصل


معنى الآية أنك تعرفهم فيما يُعَرّضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي ﷺ إلا عَرَفَهُ بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد دَخْلَتِهِ. قال ابن الخطيب : معنى الآية لن يُخْرِجَ الله أضغانهم أي يُظْهِرَ ضمائرهم ويُبْرِزَ سرائرهم، وكأن قائلاً قال : فِلمَ لَمْ يُظْهر؟ فقال : أخرناه لمحْض المشيئة لا لخوف منهم ولو نشاء لأريناكم أي لا مانع لنا والإراءة بمعنى التعريف.
وقوله :« فَلَعَرفتهُمْ » لزيادة فائدة وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزم منه المعرفة يقال : عَرَّفْتُهُ ولَمْ يَعْرِف وفَهَّمْتُهُ ولَمْ يَفْهَمْ فقال ههنا : فَلَعَرَفْتَهُمْ يعني عَرَّفْنَاهُمْ تَعْرِيفاً تعرفهم به إشارة إلى قوة التعريف. واللام في قوله :« فلعرفتهم » هي التي تقع في خبر « لو » كما في قوله :« لأَرَيْنَاكَهُمْ » أدخلت على المعرفة إشارة إلى المعرفة المرتبة على المشيئة كأنه قال : ولو نشاء لعرفتهم لتفهم أنَّ المعرفة غير متأخرة عن التعريف فتفيد تأكيد التعريف أي لو نشاء لعرفنانك تعريفاً معه المعرفة لا بعده. وقوله :﴿ فِي لَحْنِ القول ﴾ أي في معنى القول حيث يقولون ما معناه النفاق، كقولهم حين مجيء النصر :﴿ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٠ ] وقولهم :﴿ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة ﴾ [ المنافقون : ٨ ] وقولهم :﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ [ الأحزاب : ١٣ ] ويحتمل أن يكون المراد قولهم ما لم فأمالوا كلامهم كما قالوا :﴿ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُون ﴾ [ المنافقون : ١ ].
ويحتمل أن يكون المراد من لَحْنِ القَوْل هو الوجه الخفي من القول الذي يفهمه النبي ﷺ ولا يفهمه ( غيره.


الصفحة التالية
Icon