قوله :﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض ﴾ فهو قادر على أهلاك عَدُوِّهم بجنود، بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائه بأديهيم فيكون لهم الثواب. والمراد بجنود السموات والأرض الملائكة، وقيل : جنود السموات الملائكة وجنود الأرض الجنُّ والحَيَوَانَاتُ. وقيل : الأسباب السماوية.
﴿ وَكَانَ الله عَلِيماً ﴾ لما قال :﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض ﴾ وعددهم غير محصور فقال « عَليماً : إشارة إلى أنه لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض. وقيل : لما ذكر القلوب بقوله :﴿ أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ﴾ والإيمان الذي من عَمَلِ القُلُوب ذكر العلم إشارة إلى أنه يَعْلَمُ السِّرََّ وأخفى. وقوله » حكيماً « بعد » عليماً « إشارة إلى أنه يفعل على وَفْق العلم، فإن الحكيم من يعمل شيئاً متقناً وبعلمه.
قوله تعالى :﴿ لِّيُدْخِلَ المؤمنين ﴾ في متعلق هذه اللام أربعة أوجه :
أحدهما : محذوف تقديره : يبتلي بتلك الجنود من شاء فيقبل الخبر ممن أهَّلَهُ له والشَّرَّ ممن قضى له به ليدخل ويعذب.
الثاني : أنها متعلقة بقوله :» إِنَّا فَتَحْنَا « لأنه روي أن المؤمنين قالوا للنبي ﷺ هنيئاً لك إن الله غَفَر لك فما بالنا؟ فنزلت الآية فكأنه تعالى قال : إنا فتحنا لك ليغفر لك وفتحنا للمؤمنين ليُدْخِلَهُمْ جناتٍ.
الثالث : أنها متعلقة ب » يَنْصُرَكَ « كأنه تعالى قال : وينصرك الله بالمؤمنين ليدخل المؤمنين جنات.
الرابع : أنها متعلقة ب » يَزْدَادُوا « واستشكل هذا بأن قوله :» ويعذب « عطف عليه وازديادهم الإيمان ليس سبباً عن تعذيب الله الكفار. وأجيبَ : بأن اعتقادهم أن الله يعذب الكفار يزيد في إيمانهم لا محالة.
وقال أبو حيان : والازْدِيَادُ لا يكون سبباً لتعذيب الكفار. وأجيب : بأنه ذكر لكونه مقصوداً للمؤمن كأنه قيل : بسبب ازدِيَادِكم في الإيمان يدخلكم الجنة ويعذب الكفار بأيديكم في الدنيا. وفيه نظر لأنه كان ينبغي أن يقول : لا يكون مسبَّباً عن تعذيب الكفار وهذا يشبه ما تقدم في قوله :» لِيَغْفِرْ لَكَ اللهُ «.
وأجاب ابن الخطيب بوجهين آخرين :
أحدهما :( تقديره ) ويعذب نَقِيضَ ما لكم من الازْدِياد، يقال : فعلت لأخبر به العدوَّ والصديق أي لأعرف بوجوده الصديق وبعدمه العدو، فكذا ههنا ليزداد المؤمن إيماناً يُدْخِلُهُ الجنة ويزداد الكافر كفراً فيعذبه ( به ).
وثانيهما : أن بسبب زيادة إيمان المؤمن يَكْثُرُ صَبْرُهُمْ وثباتهم ويتعب المنافق والكافر معه ويتعذب.
ثم ذَكَرَ وجوهاً أخر في تعلق الجار منها : أن الجار يتعلق بقوله :» حَكِيماً « كأنه تعالى قال : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ لأن الله حكيم فَعَلَ ما فَعَلَ ليدخل المؤمنين.