قال : فنادى عمرُ بنُ الخَطَّاب رضي الله عنه وهُوَ على جمل له : يا نبيّ الله لولا مَتَّعْتَنَا بعامرٍ قال : فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مَرْجَبُ يخطر بسيفه يقول :

إذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ... فقال علي رضي الله عنه :
٤٤٩٤ أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهُ... كَلَيْثِ غابَاتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَه... أَكِيلُكُمْ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ... قال : فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
٤٤٩٣ قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلاَح يَطَلٌ مُجَرِّبُ
( ومعنى أكليكم بالسيف كيل السندرة أي أقتلكم قتلاً واسعاً ذريعاً. والسَّندرة مكيال واسع. قيل يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النَّبْل، والقِسِيُّ، والسَّنْدرة أيضاً العجلة، والنون زائدة. قال ابن الأثير : وذكرها الجَوْهَرِيُّ في هذا الباب ولم ينبه على زيادتها ).
وروي فتح خيبر من طرق أُخَر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض.
قوله :« وأخرى » يجوز فيها أوجه :
أحدها : أن تكون مرفوعة بالابتداء و ﴿ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا ﴾ صفتها و ﴿ قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا ﴾ خبرها.
الثاني : أن الخبر « منهم » محذوف مقدر قبلها، أي وَثَمَّ أخرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا.
الثالث : أن تكون منصوبة بفعل مضمر على شريطة التفسير، فتقدر بالفعل من معنى المتأخر وهو ﴿ قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا ﴾ أي وقَضَى اللهُ أُخَْرَى.
( الرابع : أن تكمون منصوبة بفعل مضمر لا على شريطة التفسير، بل لِدَلاَلة السِّياقِ، أي ووَعَدَ أُخْرَى، أو وآتاكُمْ أخرى.
الخامس : أن تكون مجرورة ب « رُبَّ » مقدرة، ويكون الواو واو « رب » ذكره الزمخشري. وفي المجرور بعد الواو المذكورة خلاف مشهور أهنو برُبَّ مضمرة أم بنفس الواو؟ إلا أبا حيان قال : ولم تأت « رُبَّ » جارة في القرآن على كَثْرة دورها، يعني جارة لفظاً وإلا تقدر. قيل : إنها جارة تقديراً هنا وفي قوله :﴿ رُّبَمَا ﴾ [ الحجر : ٢ ] على قولنا : إنّ ما نكرة موصوفةٌ ).
قوله :﴿ قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا ﴾ يجوز أن يكون خبراً ل « أُخْرَى » كما تقدم، أو صفة ثانية إذَا قِيلَ بأن أخرى مبتدأ وخبرها مضمر أو حالاً أيضاَ.

فصل


قال المفسرون : معناه أي وعدكم فتح بلدة أخرى لم تقِدروا عليها قد أحاط الله بها حتى يفتحها لكم كأنه حفظها لكم، ومنعها من غيركم حتى تأخذوها. قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) علم الله أنه يفتحها لكم. قال ابن الخطيب : تقديره : وعدكم الله مغانم تأخذونها، ومغانم لا تأخذونها أنتم ولا تقدرون عليها، وإنما يأخذها من يجيء بعدكم من المؤمنين. وهذا تفسير الفراء. قال : معنى قوله :﴿ قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا ﴾ أي حفظها لمؤمنيني، لا يجري عليها هلاك وفناء إلى أن يأخذها المسلمون كإحاطة الحُرَّاسِ بالخَزَائِنِ.
واختلفوا فيها فقال ابنُ عباس والحسن ومقاتل : هي فارس والرومُ، وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم، بل كانوا حولاً لهم حتى قدروا عليها الإسلام.


الصفحة التالية
Icon