فصل
معنى الآية :﴿ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار ﴾ أي غِلاظٌ عليهم كالأسد على فريسته، لا تأخذهم فيهم رأفة « رُحَمَاءُ بينهم » متعاطفون متوادُّون بعضهم لبعض كالوالد مع الوَلَد كقوله تعالى :﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين ﴾ [ المائدة : ٥٤ ] و ﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ﴾ خبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله ﴾، أن يدخلهم الجنة « وَرِضْوَاناً » أي يرضى عنهم. وهذا تمييز لركوعهم وسجودهم عن ركوع الكافر وسجوده وركوع المرائي وسجوده فإنه لا يبتغي به ذلك.
قوله :« سِيمَاهُمْ » قرىء سِيماؤُهُمْ بياء بعد الميم والمد. وهي لغة فصيحة، وأنشد ( رحمه الله عليه ) :
٤٤٩٨ غُلاَمٌ رَمَاهُ اللهُ بالْحُسْنِ يَافِعاً | لَهُ سِيمْيَاءُ لا تُشَقُّ عَلَى البَصَر |
و « فِي وُجُوهِهِمْ » خبر « سِيمَاهُمْ » و ﴿ مِّنْ أَثَرِ السجود ﴾ حال من الضمير المستتر في الجار وهو « في وُجُوهِهِمْ ». وقرأ العامة « مِن أَثْرِ » بفتحتين. وابن هرمُز بكسر وسكون. وقتادة « مِنْ آثار » جمعاً.
فصل
المعنى علامتهم في وجوههم من أثر السجود. قيل : المراد سيماهم نورٌ وبياضٌ في وجوههم يوم القيامة كما قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ]. رواه عطيةُ العَوْفيُّ عن ابن عباس : وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس : استنارة وجوههم من كَثْرَةِ صلاتهم. وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر. وروي البوالبيُّ عن ابن عباس : هو السَّمْتُ الحسن والخشوعُ والتواضع وهو قول مجاهد. والمعنى أن السجود أورثهم الخشوعَ والسَّمْتَ الحسن الذي يعرفون به. وقال الضحاك : صفرة الوجوه. وقال الحسن رضي الله عنه : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى. وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو أثر التراب على الجِبَاه. وقيل : المراد ما يظهر في الجباه بكثرة السجود.
قوله :« ذَلِكَ مَثَلُهْمْ »، « ذلك » إشارة إلى ما تقدم من وصفهم بكونهم أشِدَّاءَ رُحَمَاءَ لهم سِيمَا في وجوههم وهو مبتدأ خبره « مَثَلُهُمْ » و « فِي التَّوْرَاةِ » حال من « مَثَلَهُمْ » والعامل معنى الإشارة.
قوله :﴿ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل ﴾ يجوز فيه وجهان :
أحدهما أنه مبتدأ وخبره « كَزَرْعٍ » فيوقف على قوله :« فِي التَّوْرَاةِ » فهما مَثَلانِ.
وإليه ذهب أبن عباس ( رضي الله عنهما ) :
والثاني : أنه معطوف على « مَثَلُهُمْ » الأول فيكون مثلاً واحداً في الكتابين ويوقف حينئذ على : ف يالإنجِيلِ وإليه نحا مُجاهدٌ، والفراء.
وعلى هذا يكون قوله « كَزَرْعٍ » فيه أوجه :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر أي مثلهم كزرع فسر بها المثل المذكور.