قوله :﴿ إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله ﴾ أي إجلالاً له ﴿ أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى ﴾ اختبرها وأخلصها كما يمتحن الذهب بالنار فتخرج خالصة.
قوله :﴿ أولئك الذين ﴾ يجوز أن يكون « أولئك » مبتدأ « والذين » خبره والجملة خبر « إِنَّ » ويكون « لهم مَغْفِرَةٌ » جملة أخرى إما مستأنفة وهو الظاهر وإما حالية. ويجوز أن يكون « الَّذِينَ امْتَحَنَ ( الله قُلُوبَهُمْ ) » صفة « لأولئك » أوة بدلاً منه أو بياناً و « لَهُمْ مَغْفِرَةٌ » جملة خبرية.
ويجوز أن يكون « لهم » هو الخبر وحده و « مَغْفِرَةٌ » فاعل به واللام في قوله :« لِلْتَّقْوَى » يحتمل أن يتعلق بمحذوف تقديره عرف الله قلوبهم صالحة أي كائنة للتقوى كقولك : أنْتَ لِكذَا أي صَالِحٌ أي كائنٌ ويحتمل أن يكون للتعليل. وهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون تعليلاً يجري مَجْرَى بيان السبب المقتدمخ، كقولك : جِئْتُكَ لإِكْرَامِكَ ابني أمسِ أي صار ذلك السبب السابق سبب المجيء.
والثاني : أن يكون تعليلاً يجرى مجرى بيانه علّيّة المقصود المتوقع الذي يكون لاحقاً لا سابقاً، كقولك : جِئْتُكَ لأَدَاء الوَاجِبِ، أي ليصير مجيئي سبباً لأداء الواجب.
فعلى الأول فمعناه أن الله علم في قلوبهم تقواه فامتحن قلوبهم للتقوى التي كانت فيها، ولولا أن قلوبهم كانت مملوءة من التقوى لما أمرهم بتعظيم رسوله وتقديم نبيه علىأنفسهم. على الثاني فمعناه أن الله تعالى امتحن قلوبهم بمعرفته معرفة رسوله بالتقوى أي ليرزقهم الله التقوى، ثم قال :﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ وقد تقدم الكلام عن ذلك.


الصفحة التالية
Icon