﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ لأنك كنت تعتقهم جميعاً وتطلقهم بلا فداء ﴿ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾. وقال قتادة : نزلت في ناسٍ من أعراب بني تميم جاءوا إلى النبي ﷺ فنادوا على الباب : اخرج إلينا يا محمد فإنن مَدْحَنا زَيْنٌ وذمّنا شينٌ فخرج النبي ﷺ وهو يقول إنما ذلك اللهُ الذي مَدْحُهَ زَيْنٌ وذَمُّهُ شَيْنٌ، فقالوا : نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرُك ونفاخرك، فقال رسول الله ﷺ ما بالشعر بُعِثْتُ، ولا بالفخر أُمِرْتُ، ولكن هاتوا فقام شاب منهم فذكر فضلَه وفضل قومه فقال رسول الله ﷺ لثابت بن قيس بن شِمَاس، وكان خطيب النبي ﷺ : قُمْ فَأَجِبْهُ فأجَابَهُ. وقام شاعرهم فذكر أبياتاً فقال رسول الله ﷺ لحسَّان بن ثاتب : أجبهُ فأجابهُ، فقام الأقرع بن حابس فقا : إن محمداً المؤتَى له، تكلم خطيبنا، فكان خطبيهم أحسنَ قولاً، وتكلم شاعرُنا فكان شاعرُهم أشعرَ وأحسنَ قولاً، ثم مدنا من النبي ﷺ فقال : أشه أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال رسول الله ﷺ : ما يضرك ما كان من قبل هذا ثم أعطاهم رسول الله ﷺ ما أعطاهم فأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللّغَلظُ عند رسول الله ﷺ فنزل فيهم :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي... ﴾ [ الحجرات : ٢ ] الآيات الأربع إلى قوله :﴿ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾. وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من العرب إلى النبي ﷺ فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يكُنْ ملكاً نعيش في جَنَاحِهِ فجاءوا فجعلوا ينادون من وراء الحجرات : يا محمدُ يا محمد، فأنزل الله :﴿ إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ... ﴾ الآية.
فصل
في قوله :« أكثرهم » وجوه :
أحدها : أن العرب تذكر الأكثر وتريد الكل، احترازاً عن الكذب واحتيادطاً في الكلام، لأن الكل مما لا يحيط به علم الإنسان في بعض الأشياء فيقول الأكثر وفي اعتقاده الكل، ثم إن الله تعالى مَعَ إحاطة علمه بالأمور أتى بما يناسب كلامهم، وفيه إشارة لطِيفةٍ وهي أن الله تعالى يقول : أنَا مع إحاحة علمي بكل شيء جربت على عادتكم استحساناً لتلك العادة، وهي الاحتراز عن الكذب، فلا تتركوها واجعلوا اختياري ذلك في كلامي دليلا ً قاطعاً على رضائي بذلك منكم.