الثاني : أن يكون المراد أنهم في أكثر أحوالهم لا يعقلون، وذلك أن الإنسان إذا اعتبر مع وصف ثم اعتبر مع وصف آخر يكون المجموع الأول غير المجموع الثاني، مثاله : إذا كان الإنسان جاهلاً أو فقيراً فيصير عالماً أو غنياً فيقال في العُرْف : زَيْدٌ لَيْسَ هُوَ الذي رَأَيْتُ مِنْ قَبْلُ بل الآن على أحسن حال فيجعله كأنه ليس ذلك إشارة إلى ذكرنا. إذا علم هذا فهم بعض الأحوال إذا اعتبرتهم مع تلك الحالة مغايرون لأنفسهم إذا اعتبرتهم مع غيرها. فقوله تعالى :﴿ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ إشارة إلى ما ذكرنا.
الثالث : لعل فيهم من رجع عن ذلك الأمر، ومنهم من استمر على تلك العادة الرّديئة فقال : أكثرهم إخراجاً لمن ندم منهم عنهم.
قوله :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ ﴾ تقدم مثله. وجعله الزمخشري فاعلاً بفعل مقدر أي ولو ثبت صَبْرُهُم. وجعل اسم أن ضميراً عائداً على هذا الفاعل. وقد تقدم أن مذهب سِيبَويْهِ أنها في محل رفع بالابتداء وحنيئذ يكمون اسم « أَنَّ » ضميراً عائداً على صَبْرهم المفهوم من الفعل.
قوله :﴿ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يحتمل أمرين :
أحدهما : غفور لسوء صنعهم في التعجيل.
وثانيهما : لحسن الصبر يعني بسبب إتيانهم بما هو خير يغفر الله لهم سيئاتهم.
ويحتمل أن يكون ذلك حثّ النبي ﷺ على الصلح. وقوله :﴿ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ كالصبر لهم.