قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ... ﴾ الآية تقدم الخلاف في « قَوْم » وجعله الزمخشري ههنا جمعاً لقائمة قال : كصَوْم وزَور جمع صاَئِمٍ وزائرٍ. ( و ) فَعْل ليس من أبنية التكسير إلا عند الأخفش نحو : رَكْب، وصَحْب. والسخرية هو أن لا ينظر الإنسان إلى أخيه بعين الإجلال، ولا يلتفت إليه ويُسْقطه عن درجته، وحينئذ لا يذكر ما فيه من المعايب. ومعنى الآية لا تحقروا إخواتكم ولا تَسْتَصْغِرُوهُمْ.

فصل


قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) نزلت في ثابتِ بنِ قيسِ بنِ شِماس كان في أُذُنهِ وَقْرٌ، فكان إذا أتى رسول الله ﷺ وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جَنْبه فَيستَمِعُ ما يقول، فأقبل ذاتَ يوم وقد فاتَتْه رَكْعَةٌ من صَلاة الفَجْرِ، فلما انصرف النبيُّ ﷺ من الصلاة أخذ أصحابهُ مجالسَهم فَظنَّ كل رجل بمجلسه، فلا يكان يوسعِ أحدٌ لأحدٍ وكان الرجل إذا جاء ولم يجدْ مجلساً قَام قائماً فلما فرغ ثابتٌ من الصلاة أقبلَ نحوَ رسول الله ﷺ يتخطى رقابَ الناس ( ويقول ) : تفسَّحُوا فقال له الرجل : قد أصبتَ مجلساً فاجْلس فجلس ثابتٌ خَلْفَهُ مُغْضَباً فلما إجلتِ الظّلمة غَمَزَّ ثابتٌ الرجلَ فقال : من هذا فقال : أنا فلانٌ فقال له ثابت : ابن فلانة؟ ذكر أمُاً له كان يعيَّر بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه، فاستحيا. فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال الضَّحَّاكُ : نزلت فِي وَفْدِ تميم كانوا يستهزِئون بفُقَرَاء أصحاب النبي ﷺ مثل عمَّار، وخَبَّاب وبلالٍ، وصُهَيْبٍ، وسَلَّمَانَ، وسالمٍ مولى حذيفة، لما رأو من رَثَاضة حَالِهِم.
قوله :﴿ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ ﴾ قرأ أُبَي وعبدُ الله بنُ مسعود عَسَوْا وعَسَيْنَ ( جَعَلاَها نَاقصةً ). وهي لغة تميم وقِرَاءَةُ العامة لغة الحجاز.
قوله :﴿ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ﴾ روي أنها نزلتْ في نساء النبي ﷺ عيرت أم سلمة بالقِصَر، وروى عكرمة عن ابن عباس أيضاً : نزلت في صَفيَّة بنتِ حُيَيّ بنِ أخْطَبَ قَالَ لهالنساء : يهودية بنتُ يَهُودِيَّيْنِ.
قوله :﴿ وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ ﴾ أي لا يعبُ بعضكُم على بعض. قرأ الحَسَنُ والأَعْرجُ : لا تَلْمُزُوا بالضّمِّ واللَّمْز بالقول وغيره والغَمْزُ باللسان فقط.
قوله :﴿ وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب ﴾ التنابز تفاعل من النَّبْز وهو التداعِي بالنَّبْز والنَّزَبِ، وهو مقلوب منه لقلة هذا، وكثرةِ ذلك. ويقال؟ : تَنَابَزُوا وتَنَابزوا إذا دعا بعضُهم بعضاً بلقبِ سوءٍ. وأصله من الرفْع كأَنَّ النَّبزَ يَرْفَع صاحبه فيُشَاهَدُ. واللَّقَب : ما أشعر بضَعَةِ المُسَمَّى كقُفَّة وبَطَّة أو رِفْعَتِهِ كالصِّدِّيق وعتيقٍ والفَاروق، وأَسَد الله، وأَسَدِ رَسُولِهِ وله مع الكمنية والاسم إذا اجتمعن أحكام كثيرة مذكورة ف يكتب النحو.


الصفحة التالية
Icon