وأصل : تَنَابَزُوا تَتَنَابَزُوا أسقِطَتْ إحدى التاءين كما أسقط من الاستفهام إحدى الهَمزَتَيْنِ فقال :﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ [ البقرة : ٨ ] والحذفُ هَهُنَا أولى؛ لأن تاء الخطاب وتاء التفاعل حرفانِ من جنْسٍ واحدٍ في كلمة وهمزة الاستفهام كلمة برأسها و « أنذرتهم » أُخْرَى، واحتمال حَرْشفَيْن في كلمتين أسهل من احتماله في كلمة واحدة.

فصل


ذلك في الآية أموراً ثلاثةً مرتبة بعضها دون بعض، وهي السُّخْريَةُ واللَّمْزُ والنَّبْزُ. والسُّخْرية الاحتقار والاستصغار، واللمز ذكر في غيبته بعيب. وهذا دون الأول، لأنه لم يلتفت إليه وإنما جعله مثل المَسْخَرة الذي لا يغضب له ولا عَلَيْه، وهذا جعل فيه شيئاً ما فعابه به. والنَّبْزُ دون الثاني لأن يَصِفهُ بوصفٍ ثابت فيه نقصه به، ويحط منزلته والنّبْزُ مجرد التسيمة وإن لم يكن فيه لأن اللقب الحسن والاسم المستحسن إذا وضع لواحدٍ وعَلاَ عليه لا يكون معناه موجوداً فإن من سمي سَعْداً وسَعِداً قد لا يكون كذلك وكذلك من لُقّب إمام الدين أو حُسَام الدّين لا يفهم منه أنه كذلك وإنما هو علامة، وكذلك النَّبز، فإن من سمي مروان الحمار لم يكن كذلك فكأنه تعالى قالك لا تَتَكَبَّرُوا فَتَسْتَحْقِروا إخوانكم بحيث لا تلتفوا إليهم إصلاً، وإذا نزلتم عن هذا فلا تَعيبُوهم طالبين حَطَّ درجتهم وإذا تَعِيبُوهم ولم تصفوهم بما يسوؤم فلا تُسَمُّوهم بما يكرهُونه.

فصل


قال ابن الخطيب : القَوْمُ اسم يقع على جمع من الرجال ولا يقع على النساء ولا على الأطفال لأنه جمع قائم والقائم بالأمور هو الرجال وعلى هذا ففي إفراد الرجال والنساء فائدة وهي أن عدم الالتفات والاستحقار إنما يصدر في أكثر الأمر من الرجال بالنسبة إلى الرجال؛ لأن المرأة في نفسها ضعيفة؛ قال ﷺ :« النِّسَاءُ لَحْمٌ على وَضَم » فالمرأة لا يوجد منها استحقار الرجل لأنَّها مضطرة إليه في رفعش حوائِجِها وأما الرجال بالنسبة إلى الرجال والنساء بالنسبة إلى النساء فإنه يوجد فيهم ذلك.

فصل


في قوله :﴿ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ ﴾ حكمة وهي أنهم أذا وجد منهم التَّكَبُّر المُفْض ] إلى إحباط الأعمال وجعل نفسه خيراً منهم، كما فعل إبليس حيث لم يلتفت إلى آدم وقال :« أَنَا خَيْرٌ منه » فصار هو خيارً منه، ويحتمل أن يكون المراد بقوله :« يكونوا » أي يصيروا، فإن من استحقر إنساناً لفقره أو ضَعْفِهِ لا يأم أن يفتقر هو ويستغني الفقير ويضعف هو ويَقْوَى الضعيفُ.

فصل


في قوله :﴿ وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ ﴾ وجهان :
أحدهما : أن عيب الأخ عائد إلى الأخ فإذا أعابه فكأنه أعاب نَفْسَه.
والثاني : أنه إذا عابه وهو لا يخلو من عيب فيعيبه به المعاب فيكون هو بمعيبه حاملاً للغير على عيبه فكأنه هو العائب نفسه ونظيره قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon