﴿ وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٩ ].
ويحتمل أن يقال : لا تعيبوا أنفسكم أي كل واحد منكم مُعَيَّب فإنكم إن فعلتم فقد عبتم أنفسكم أي كل واحد عاب واحد فصِرْتُمْ عائِبِينَ من وجه مُعيََّبين من وجه. وهذا ههنا ظاهر ولا كذلك في قوله :« وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ».
فصل
قال :« وَلاَ تَنَابَزُوا » وَلَمْ يقُل : ولا تَنْبزُوا لأن الامِزَ إذا لَمَزَ فالمَلْمُوز قد لا يجد فيه في الحال عيباً يَلْمِزُهُ به وإنما يبحث ويتتبّع ليطلع منه على عيب فيوجد اللمز في جانب.
وأما النَّبْزُ فلا يعجز كل أحد عن الإتيَانِ بِنَبْزٍ، فالظاهر أن النَّبْزَ يُفْظِي في الحال إلى التَّنَابز، ولا كذلك اللمزُ.
فصل
قال المفسرون : اللقب هو أن يدعي الإنسان بغير ما يُسَمَّى به، وقال عكرمة : هو قول الرجل للرجل يا فاسقُ، يا منافقُ، يا كَافرُ. وقال الحسن : كان اليهودي والنصرانيّ يسلم، فيقال له بعد إسلامه، يا يهوديّ يا نصرانيّ فنهوا عن ذلك، وقال عطاء : هو أن يقول الرجل لأخيه : يا حمارُ يا خنزيرُ. وعن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) : التنابز بالألقاب أن يكون الرجلُ عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعيَّر بما سلف من عمل.
قوله :﴿ بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان ﴾ أي بئسَ الاسمُ أن يقول له : يا يَهُودِيُّ يا فاسِقُ بعدما آمَن. وقيل : معناه من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق وبئس الاسم الفسصوق بعد الإيمان فلا تفعلوا ذلك فستحقوا اسم الفسوق. ثم قال :﴿ وَمَن لَّمْ يَتُبْ ﴾ أي من ذلك ﴿ فأولئك هُمُ الظالمون ﴾.
قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن... ﴾ الآية. قيل : نَزَلَتْ في رَجُلَيْن اعتابا رفيقهما، « وذلك أن رسول الله ﷺ كسان غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رَجُلَيْن مُوسِرَيْن يخدمهما ويقتدم لهما إلى المنزل فيهيّيء لهما طعامَهُمَا وشرابهما فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره فتقدم سلمانُ الفارسي إلى المنزل فغلبته عيناه فَلَمْ يُهيّىءْ لهما فلما قدما قالا له ما صَنَعْتَ شيئاً؟ قال : لا غلبتني عَيْنَاي، قالا له : انطلق إلى رسول الله ﷺ واطلب لنا منه طعاماً، فجاء سلمان إلى رسول الله ﷺ وسأله طعاماً، فقال له رسول الله ﷺ : انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له : إن كان عند فضلٌ من طعام فَلْيُعْطِكَ؛ وكان أسامة خازن رسول الله ﷺ وعلى رَحْلِه فأتاه فقال ما عندي شيء فرجع سَلْمَانُ إليهما فأخبرهما فقالا : كمان عند أسامةم ولكن بَخِلَ فبعثَا سَلْمَانَ إلى طائفةٍ مِنَ الصَّحَابة فلم يجد عندهم شيئاً فلما رَجَعَ قالوا : بعثناه إلى بئر سُمَيْحَة فغار ماؤهم ثم انطلقا يتجسّسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله ﷺ فلما جاءا إلى رسول الله ﷺ قال لهما : مَا لِي أَرَى حَضْرَة اللَّحم فِي أَفْواهِكُمَا؟ قالا : والله يا رسول الله ما تَنَاوَلْنَا يَوْمنَا هذا لحماً قال :( بل ) ظَلَلْتُمْ تأكلونَ لَحم أسامَة وسلمان »